ازمة الاشتباك بين بعض المسلمين - العلماء تحديداً - وبين الفنون والجمال والابداع ليست نتاج خصومة بين الفقيه والفنان او المبدع، بقدر ما هي انعكاس لحالة التراجع الحضاري الذي تعاني منه امتنا، واذا كانت المصالحة النظرية بين الطرفين قد حصلت بشكل او بآخر، فان المصالحة على صعيد التطبيق لم تحدث بعد، وغيابها يتعلق بمسألتين: احداهما الموقف تجاه ما يطرحه الفن من قضايا ومضامين والاخرى تجاه من يمارسون العمل بعيداً عن القاعدة الاخلاقية التي يعتمدها الاسلام معياراً للحكم على صالحية الفن ونظافته من عدمها.
في الفترة الماضية أعيد طرح سؤال العلاقة بين الاسلام والابداع، وكان ثمة من حاول كسر الحدود التي يفترض ان تحافظ على قدسية الدين ورموزه، وما يتصل بذلك من قواعد النظام العام للمجتمع لحساب البحث عن الشهرة او الاجتراء على مشاعر الناس وحقهم في ابقاء الابداع نظيفاً وبعيداً عن المساس بثوابتهم المقدسة، لكن يبدو ان غياب المعايير الصحيحة للحكم على الابداع.. وفيما اذا كان قد كسر هذه الحدود او تجاوزها قد ولّد ازمة غير مفهومة.. خضعت في بعض الاحيان لفهومات تتجاوز ما وضعه الدين من معايير.. الامر الذي أفضى الي سوء فهم متبادل، كان يمكن حلّه بالحوار والتفاهم على المشتركات بعيداً عن المحاكمات او مناهج الاقصاء او الادانات المسبقة.
لا يمكن لأحد ان يبرر أو يقبل تجاوز الابداع - أيّاً كان شكله ونوعه ومضمومه - على المقدس الديني، لكن لا أحد - ايضاً - يقبل المبالغة في الخصومة بين الابداع والدين الى درجة يصبح فيها كل ما يتعلق بالابداع خاضعاً لحكم الفقيه بعيداً عن حكم الناقد الادبي، او الخبير والمتخصص، فكثيراً ما يكون الابداع مفتوحاً على مقاربات رمزية، او صور فنية وهي تحتاج - اولاً - الى قراءة ادبية او فنية يمكن للرأي الفقهي ان يسترشد بها بعد ذلك وصولاً الى الادانة او القبول او المحاكمة.
ثمة من يتصور ان اقرب طريق للشهرة او الاستنفاع هو الاجتراء على الدين، او تجريح المقدس، وهولاء القلة من المبدعين يمكن التعامل معهم بمزيد من التجاهل او الردع الناعم، ذلك ان تحويلهم الى ابطال او ضحايا يضرّ بالابداع اولاً، ويسيء الي مقام الدين ثانياً، وأحسب ان لنا اكثر من تجربة ثبت فيها بان تجاوز السفاهات وأصحابها، وعدم الخوض فيما يثيرونه من قضايا هو الحل الاسلم والافضل.. واذا مروا باللغو مرّو كراما” اليس كذلك؟!
الدستور