بدلات زيد الرفاعي الرئيس، والأحذية
عبد الفتاح طوقان
لم يعد يخفى على أحد ان هناك تشويها مقصودا للإساءة الى عائلة الرفاعي التي هي من أعمدة الحكم في الأردن منذ تأسيس الامارة، خرّجت أربعة رؤساء وزراء في فترات زمنية وفي حكم ملوك مختلفين عبر الزمان، من خلال اختلاق قصص وهمية وبطولات زائفة تتداول يوميا مصدرها احذية. وكأن تاريخا سياسيا امتد لأكثر من ستين عاما يختصره حذاء او بدلة، انها مهزلة القرن ٢١.
رسائل هاتفية، لا بل تافهية ان صح التعبير تستخدم اللعب على وتر الدين، يراد بها غض النظر عن فساد بالملايين وسرقات وسوء استخدام للسلطة وعدم الاكتراث بأبناء الحراثيين وذوي الدخل المتدني وصغار العسكريين وقوانين سيئة و تنفيعات لأبناء وزراء، وحصر الفساد في عدم دفع ضريبة عن بدلة او عدة بدلات في الستينيات او السبعينات الله اعلم، و هي قصة لم تحدث أصلا، حيث الرواية كلها مختلقة لإظهار بطولة ورقية ومراهقة سياسية و طفولية عند هؤلاء شجعها تواجد عدد ضخم من وسائل التواصل الخاصة التي تبحث عما هو مثير من أكاذيب باستغلال احاسيس الشعب. ...
يعتقد البعض أنها محاولة اخوانية لامتطاء بطولة مزيفة علي ظهر رئيس وزراء، والدليل التركيز في الرسالة النصية على أن المرحوم مدير الجمرك من الاخوان ومؤسس لها.
اذكر انه كان ثمن البدلة الإيطالية في المؤسسة العسكرية في الثمانينات هو سبعة عشر دينارا والبالطو الشتوي الفاخر عشرين دينارا، فعن ماذا تتحدث الرسالة، رئيس وزراء يبحث عن اعفاء ضريبي بدينارين او حتى خمس دنانير! ادعاء رخيص مفضوح.
القضية ليست الدفاع عن رئيس وزراء، بقدر ما هو البحث عن الفساد الحقيقي الهرمي بلا زوايا او ظلال، والتركيز على اظهار الفاسدين والفساد، كما وان وتعريف تلك الرسالة قانونا هي محاولات جرمية لإبعاد الشعب عن "اوتوستراد الفساد" الحقيقي فيمن تحولوا بين ليلة وضحاها من اصحاب الملايين والمستعمرات من الأراضي ولشركات بأسماء زوجاتهم وابنائهم واصهارهم، من خلال مناصبهم وسوء استغلال السلطة، والولوج بالشعب إلى حارة شرفاء وتلويث سمعتهم لأجل شعبية كاذبة وتغطية على فساد حقيقي ضخم وكبير.
لعله من المناسب الذكر هنا ان الرئيس زيد الرفاعي، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس الاعيان وصاحب المدرسة الرفاعية في الحكم التي خرجت بعض من قادة من الوزراء إلى الساحة السياسية، خدم الدولة الأردنية وساهم في تطويرها وقوانينها وتشريعاتها (٥٢) اثنان وخمسون عاما وراتبه التقاعدي، ألف وثمانمائة (١٨٠٠) دينار أليس هذا فسادا وغياب للعدالة؟
والرئيس زيد الرفاعي يسكن بين الدوار الرابع والخامس، وقت لم يكن أحد يقطن هناك وكان ثمن الاراض بخسا آنذاك وبلا خدمات، ومنذ أكثر من أربعين عاما، بينما مسؤولو الغفلة أصبح لهم قصور في ضواحي خصصت لهم وبيوتا، يخوت في فرنسا وسويسرا وربما حتى غابات الامازون. هبروا من كتف الدولة وهرّبوا الاموال تحت اعين الدولة.
يُفهم ان حذاء خوروتشوف، عندما ضرب طاولة الوفد عام ١٩٦٠ في نيويورك كان احتجاجا على خطاب رئيس الوفد الفليبيني لورينز سوم ولونغ الذي وصف سياسات الاتحاد السوفيتي في شرق أوروبا بالاستعمارية.
حذاء خوروتشوف استخدم حينها تعبيرا عن موقف سياسي لكن ان يصبح" الحذاء يتكلم” وبدلة رئيس وزراء "تقرر" و يقال كذبا انها تسببت في طرد موظف دولة فتلك اعجوبة الواتس اب، وصرعة أطلقها جيف معتقدا ان الشعب لا يميز بين الخطاء والصواب. فهل يعقل ان رئيس وزراء يتصل بمدير جمرك لإخراج بدلات من الجمرك؟، كما يقولون في مصر " الكدبة واسعه".
مسخرة وادعاءات لا أساس لها من الصحة. رسالة سطحية لا تميّز بين الرّديء والجيّد وأضاف لها مطلقها ان مدير الجمارك كان من الاخوان المسلمين على أساس الحاق " الاخوان يعطي مصداقية ودليل انهم يحاربون الفساد”، وهو ما يفسد السّمين بالغثّ ويرقع الجديد بالرّثّ.
وأقصد ان مراسلات تم تناقلها عبر "الواتس اب" تتحدث عن طرد رئيس الوزراء زيد الرفاعي واقالته لمدير الجمارك بسبب عدم موافقة مدير الجمرك على ادخال بدلات من الخارج له بدون ان يدفع الضرائب المترتبة عليها، ثم تمسك مدير الضريبة آنذاك بضرورة دفع ضرائب على البدلات في حديث هاتفي مع رئيس الوزراء زيد الرفاعي أدت الى ان يصدر الرفاعي كتابا بإقالته في اليوم التالي. والأدهى ينسب الفعل إلى أحد مؤسسي تنظيم الاخوان.
ولم يذكر كاتب النص المزور ما إذا كان زيد الرفاعي حينها نحيفا او بدينا، طويلا او قصيرا، مقاس البدلة ونوعية قماشها وما إذا كان البنطلون "شرلستون" حسب الموضة آنذاك ام ذا ثنية من الأسفل، حيث ان كل من تلك المواصفات والنوعيات تخضع لفصل من فصل الضرائب في مخيلة من أرسل الواتس اب.
وحتى أوضح كذب الرسالة، فإن زيد الرفاعي درس في كلية فيكتوريا بالقاهرة في حين درس الملك الحسين والامير زيد بن شاكر في نفس الفترة معا ولكن في كلية فيكتوريا بالإسكندرية.
وعلاقتهم لم تكن ملك ورئيس وزراء وامير بقدر ما كانت عهد وصداقة وزمالة ووفاء والتزام.
ولذلك فإن الملك الحسين رحمه الله عليه كان يحضر خياطا خاصا لتفصيل بدلاته وقمصانه من لبنان اسمه " زهران" ، وكلما حضر هذا الخياط في زيارة إلى الأردن كان يبعث به إلى كل من الامير زيد بن شاكر وزيد الرفاعي ليقوم بتفصيل بدلاتهم والتي يمكن الرجوع إلى صور الأرشيف الحكومية ليرى الشكل والنوعية والتطابق بين البدلات الثلاث. هذا من ناحية.
ومن جهة اخرى، كان زيد الرفاعي يقوم بشراء البدلات اثناء زياراته الخاصة او سفرياته ومن حسابه الشخصي، وعندما يحتاج إلى بدلات أخرى لمناسبة معينة كان يشتري وإلى الان بدلات قياس ٥٦ وحذاءً عريضا قياس ٤٥ من عمان من محل الصديق سمير بركات في " كنجز واي" في عمارة استرا التي يملكها الاقتصادي ورجل الاعمال صبيح المصري، والتي تقع في الدوار الاول بجانب مبني الأحوال المدنية والجوازات.
زيد الرفاعي درس بكالوريوس علوم سياسية من جامعة هارفرد وماجستير قانون وعلاقات دولية من جامعة كولومبيا و هو ابن رئيس وزراء راحل سمير باشا الرفاعي و عمه رئيس وزراء عبد المنعم باشا الرفاعي ، و ليس بحاجة إلى التهرب من ضرائب مع العلم انه حسب قانون الدولة الأردنية فإن حقائب الدبلوماسيين و الوزراء و رؤساء الوزراء لا تخضع للتفتيش أصلا، و المعنى انها معفية من الضرائب.
يعيش الشعب الأردني حالة من "السفاد" المعلن المحمي، والسفاد كلمة مشتقة جامعة في نفس الوقت للفساد والاستفادة، سفد سفاد الافساد إلى يوم العباد. هذا السفاد يحتاج إلى مقاصل ومشانق تعلق فيه لكل فاسد.
نحتاج الى فعل لا نظريات لقلع الفساد والفاسدين، والبداية انشاء محكمة القيم والجرائم الاقتصادية. محكمة حقيقية لا ورقية.
aftoukan@hotmail.com