الكرد بين العرب وإسرائيل والمستقبل!
رجا طلب
29-09-2017 08:09 PM
نفذ رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البرزاني تعهده بإجراء الاستفتاء على انفصال الإقليم في موعده المقرر، كخطوة على طريق قيام دولة كردية مستقلة، غير عابئ بتهديدات الحكومة العراقية أو إيران أو تركيا، وقد رافق التحضير للاستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من سبتمبر (أيلول) حرب إعلامية غير مسبوقة بشأن الاستفتاء والرهان على مستقبل الإقليم ومدى قدرته على العيش وسط "غابة من الأعداء" الرافضين لحق تقرير المصير للشعب الكردي، أما أبرز عامل من عوامل السجال والجدل بشأن الاستفتاء والاستقلال الكردي كان الحضور الطاغي للعامل الإسرائيلي، حيث بات العلم الإسرائيلي ومنذ أشهر بمثابة رمز للاستقلال الكردي وهو أمر زاد من درجة تشويه الحق الكردي، كما زاد من عدائية القوميات الأخرى في الإقليم للقومية الكردية.
لم ألمس وعلى مدى يومين من المشاركة في ( ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير ) الذي عقدة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية يومي 16 – 17 من سبتمبر (أيلول) توجهات عدائية للعرب والعروبة ، بل كان معظم الأخوة الكرد المتحدثين في الملتقى يشيدون ويثنون على علاقة الكرد بالعرب بشكل عام وأكراد العراق بشكل خاص، مع إشاراتهم إلى بعض المحطات التي انحدرت فيها العلاقة إلى مراحل أقل ما يقال فيها أنها غير صحية وآذت الأخوة الكردية العربية ومعظمها حصل في عهد حكم البعث العراقي رغم أن "البعث" هو أول جهة في الإقليم اعترفت بالكرد وببعض حقوقهم ومنحهم حكماً ذاتياً.
إن تيار "الأسرلة " في الوسط الكردي وتحديداً في أربيل يعمل وبصورة استفزازية على مراكمة المزيد من الكراهية الكردية – العربية خدمة للمشروع الإسرائيلي، وينتشي حالياً ببعض المقالات التي تكتب في الصحافة الإسرائيلية والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعلن دعمها لحق الكرد في الاستقلال، متناسياً المستقبل و بشكل خاص ديكتاتورية الجغرافية والعمق الاستراتيجي للكرد، وأعتقد هنا أن هذا التيار يسارع الخطى نحو نحر حق الكرد في تقرير المصير، ويحيله إلى أداة بيد تل أبيب.
في ملتقى السليمانية الذي أشرت إليه قلت وفي عدد من الحوارات الجانبية أن الحماس والاندفاع المفاجئ نحو الاستفتاء يحمل مخاطر جمة، من أبرزها بناء دولة فاشلة جديدة في الإقليم ستكون سببًا لصراع إقليمي يساهم في زيادة التوتر والاضطراب بعد أن شارف الإقليم على التخلص من "مرحلة داعش".
من أهم العوامل التي تغذي المخاوف من أن يؤسس الاستقلال الكردي دولة فاشلة هو العامل الاقتصادي، وتحديداً في النقاط التالية:
أولاً: يعاني الإقليم أو مشروع الدولة الكردية من ضائقة اقتصادية قاتلة بعد أن خفضت بغداد حصة "حكومة إقليم كردستان" في الموازنة الاتحادية في شباط/فبراير 2014 وبحسب وزير الموارد المعدنية الطبيعية الكردي أشتي هورامي، تناهز ديون "حكومة إقليم كردستان" الإجمالية 20 مليار دولار.
ثانياً: تشير اكتشافات حديثة إلى أن إقليم كردستان العراق لا يملك احتياطيات نفطية كبيرة كما روج خلال السنوات الأربع الماضية، وحاليًا، تُنتج كردستان وكركوك معًا نحو 700 ألف برميل في اليوم، وخلال السنوات القليلة الماضية خفض عدد من الشركات النفطية بما فيها "إكسون موبيل" و"شفرون"، عدد المناطق الاستكشافية في كردستان في حين أشارت معظم التصريحات الرسمية إلى مستويات إنتاج منخفضة.
ثالثاً، يعتمد إقليم كردستان اعتماداً كبيراً على النفط، فمن غير المحتمل أن يبقى صامداً على المدى الطويل، فخلال السنوات الخمس والعشرين الفائتة، عجزت السلطات الكردية عن بناء اقتصاد محلي قوي قادر على تأمين أساس متين لبناء دولة مستقلة وفي الواقع عملت على تدمير الاقتصاد التقليدي لصالح النفط وشجعت الاستهلاكية داخل المجتمع الكردي.
رابعاً: يواجه اقتصاد "حكومة إقليم كردستان" مشاكل هيكلية ترتبط بالفساد وانعدام الشفافية واحتكار الأسواق والتدخل المفرط في الشؤون الحكومية من قبل زعماء الأحزاب لصالح شركات أو أشخاص نافذين وقد ساهمت هذه المشاكل في انتشار الظلم بطريقتين، أولًا: أسفرت عن بروز أقلية ثرية تتمتع بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الحاكمة، في حين بقيت غالبية الشعب فقيرة، ثانيًا: ظهرت فوارق جغرافية كبيرة أثبتها التفاوت الكبير بين المدن والمناطق الريفية. ( اقتباس بتصرف من دراسة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى )
أما العامل الحاسم في مستقبل وقوة كردستان العراق هو العامل الجيوسياسي والمتمثل بأن الإقليم معزول جغرافياً ولا يملك أي منفذ بحري فيما المنافذ البرية مع إيران وسوريا وتركيا تخضع للعلاقات المتوترة بين الإقليم وهذه الدول وهو أمر قد يفرض على الإقليم أو "الدولة المستقبلي " تقديم تنازلات لطرف من الأطراف الإقليمية بحكم الضرورة، والأغلب أن الإقليم سيقدم هذه التنازلات لتركيا التي كانت ومازالت الشريك الاقتصادي الأكبر للإقليم بما فيها تجارة النفط.
إسرائيل كانت ومازالت مجرد وهم للكرد وعاملاً سلبياً عليهم ولهم، وسبباً في خسارة سمعتهم النضالية والإنسانية، وسوف يكتشف "تيار الأسرلة " في المجتمع الكردي كم أن الالتصاق بإسرائيل هو عامل مدمر لحاضر الكرد ومستقبلهم.
24: