هدايا اوباما لا تسر " الممانعين "
رجا طلب
26-01-2009 05:49 PM
أدرك الشيخ صباح جابر الأحمد الصباح أمير الكويت بحنكته وخبرته الطويلة في دهاليز السياسة العربية والعالمية أن الأجواء المشحونة التي سبقت انعقاد قمة الكويت الاقتصادية والاجتماعية لابد أن تتفرغ وان قمة الكويت التي لا علاقة لها بكل ما سبقها من تطورات سلبية وتجاذبات داخل النظام العربي الرسمي ستكون هي محطة تفريغ الصواعق المشحونة منذ أشهر، وازدادت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، ولذلك تحرك وبسرعة مع الملك عبد الله بن عبد العزيز لنزع فتيل تفجير القمة سياسيا من الداخل وهو ما حصل بالفعل بعد كلمة خادم الحرمين التي امتصت كل الأجواء المكهربة وقلبت الطاولة باتجاه تنقية الأجواء العربية - العربية.
لقد كانت الجهة الإقليمية التي رسمت خطة التفجير تريد تكريس مسالتين خطيرتين قبيل تولى الرئيس اوباما مهام منصبه دستوريا، المسالة الأولى تقسيم الواقع العربي إلى واقعين، بحيث يظهر العرب في قمة الكويت ببرنامجين متضادين ومتناقضين، الأول متمسك بالسلام والعلاقة السلمية مع إسرائيل، والأخر يعتمد برنامج المواجهة ورفض الحلول السلمية.
أما المسالة الثانية فهي العمل على إظهار ان هناك شرعيتين فلسطينيتين، الأولى يمثلها أبو مازن، لا تملك إلا خيار التفاوض مع إسرائيل، والأخرى تمثلها حماس مستندة إلى أنها جاءت من رحم الانتخاب المباشر للشعب الفلسطيني والى إرادة الناس في الشارع وحرب غزة الدليل على ذلك.
إن رسم المشهد على النحو يعني تصعيب أي نوع من أنواع تعاطي الإدارة الأميركية الجديدة مع المشهد الشرق أوسطي وبكل بساطة سيدفع اوباما إلى إدارة الظهر تماما للواقعين معا العربي والفلسطيني وإدخال القضية الفلسطينية في دوامة النسيان أو التجاهل وبالتالي وأد عملية السلام وفرصة حل الدولتين وهو الأمر الذي كان جلالة الملك عبد الله الثاني أول زعيم يتحدث عنه، حيث حذر وفي خضم العدوان على غزة من مؤامرة على القضية الفلسطينية.
لقد نجحت قمة الكويت في إفشال هذا المخطط وهو إنجاز مهم للغاية، ومع ذلك فان الجهة المتضررة من الاتفاق العربي المبدئي على تنقية الأجواء العربية - العربية وإعادة تعزيز أبو مازن كرأس للشرعية الفلسطينية، بدأت على الفور بالعمل على إعادة تفجير الحالة الفلسطينية من الداخل ليس فقط لجهة المس بشرعية أبو مازن، بل أيضا من اجل تكريس الانقسام الجغرافي والسياسي، وإظهار أن المنتصر في حرب غزة هو من يحق له تمثيل الشعب الفلسطيني... لقد اعتقدت هذه الجهة الإقليمية أن الرئيس اوباما أمام مثل هذا الواقع لن يبادر للتعاطي مع أبو مازن والسلطة الفلسطينية كما انه قد يتجاهل عملية السلام في الشرق الأوسط ولن يعطيها الأولوية أو أي اهتمام يذكر وتحديدا على المسار الفلسطيني، وان حدوث مثل هذا الأمر سيحقق الهدف الأبعد لهذه الأطراف وهو تعطيل عملية السلام ووضع الشرعية الفلسطينية في خانة التجميد تمهيدا لمرحلة الإلغاء أو الشطب أو إدخالها مرحلة الازدواجية أو الثنائية لتصبح هذه الشرعية مجزأة ومقسمة.
مفاجأة الرئيس اوباما لهذه الأطراف لم تكن سهلة ولم تتأخر بل جاءت سريعة وقاسية من حيث كانت تراهن على عكس ما ذهب إليه الرئيس الأميركي، فبعد ساعات فقط من تنصيبه رئيسا لأميركا.
قام الرئيس اوباما بسلسلة من الخطوات كانت بمثابة ضربة قاصمة للمخطط الإقليمي المشار إليه، حيث كانت أولى هذه الخطوات هو الاتصال الذي أجراه اوباما (الاتصال الأول بين اوباما وزعيم عالمي بعد تنصيبه) مع جلالة الملك عبد الله الثاني حيث أعرب جلالته في ذلك الاتصال عن تطلعه إلى العمل مع اوباما من أجل حل قضايا المنطقة، وخصوصا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، الذي يشكل السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتبع ذلك باتصالات مماثلة مع الرئيس الفلسطيني عباس والملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك بالإضافة إلى تعيين جورج ميتشل مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط وهو المعروف بتعاطفه الكبير مع القضية الفلسطينية وصاحب التقرير الشهير توصيات ميتشل الذي دعا فيه في عام 2001 إلى الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان ونشر مراقبين دوليين لمتابعة الاستيطان في الضفة والقطاع كما عين دينس روس المكروه فلسطينياً والمتعصب اسرائيليا عن ملف التفاوض مع ايران.
لقد شكلت هذه الخطوات مجتمعة عدة رسائل مهمة من قبل اوباما للشرق الاوسط، أولها التأييد والانحياز لما يسمى معسكر الاعتدال العربي، وثاني هذه الرسائل إعادة التأكيد على شرعية ابو مازن والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني والاستمرار بعملية السلام للوصول الى حل الدولتين وبخاصة بعد مطالبته حماس بالاعتراف بشروط الرباعية الدولية أما ثالث هذه الرسائل أن هناك توجها للتفاوض مع إيران ولكنه منوط برجل متعصب وله موقف متشدد منها ووفق نظرية العصا والجزرة.
... معركة التجاذبات الإقليمية لم تنته بعد والإدارة الاميركية الجديدة هي جزء منها خاصة وان عدة محطات قادمة ستعمل على تأجيجها ومن ابرزها محطة المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية خلال ايام والانتخابات الاسرائيلية في الشهر القادم ، وقمة الدوحة العربية الدورية في شهر آذار القادم والانتخابات التشريعية اللبنانية في أيار القادم، هذه المحطات ستكون بمثابة اختبار إرادة فعلي من قبل الممانعين مع إدارة اوباما وها نحن من الآن بانتظار المشهد والنتائج؟؟!.
rajatalab@hotmail.com