إنسانية الملك وسط تراكم الآلام والمعاناة
د. عدنان سعد الزعبي
28-09-2017 02:46 PM
لا يمكن لأحد أن ينكر أننا نعيش في ظروف كانت هي الأقسى على الشعب وخاصة الطبقتين الوسطى والفقيرة وهي الغالبية العظمى والعظمى في الأردن . وأن هذا الحصار الذي يعيشه الأردن جراء هذه الأزمات قد اغلق على الاردنيين سبل العمل ومنافذ الدخل وساهم في خنق الوطن مع تراكم اعداد البشر من المهجرين العرب والذين جاءوا على ما تبقى من موارد.
في خضم هذه الآلام والمعاناة ، وفي وسط الجوع والفقر والعطش، وفي أتون الضرائب وتآكل الرواتب .والتضخم الكبير الذي صنعه اصحاب المال والعقار والمستثمرون العرب والاغنياء من المهجرين ، وسط تنافس الآلاف على وظيفة أو مصدر رزق يؤمن لقمة الخبز الوحيدة ، وسط احباط الشباب والخريجين وطوابير الباحثين عن العمل ومن التخصصات كافة ، وشعورهم بفقدان الامل وانعدام الثقة ، وسط ووسط ووسط كل هذه الآلام يطل علينا الملك بموقف إنساني فيه الصورة والعبرة ، الثقة والتفاؤل ، و المسحة التي تضفي على الآلام نسمة رطبة تجدد فينا التفاؤل وتبعث على الأمل والتطلع نحو الطريق الذي يبزغ منه بصيص النور بغض النظر عن طول أو عمق هذا النفق.
سلوك الملك الإنساني مع الطفل الخوالدة وتلبية رغبته وتطلعه ومطلبه ، فهمها الملك وقدرها كلمحة إنسانية عابرة فقط ، وليس مجرد بربغاندا محببة وكفى ، بل فهمها كجزء من الحب المتبادل والتواصل ما بين الملك وشعبه وعنوانا عظيما للعلاقة ما بين المواطن ومليكه ، فالحب هو الذي دفع بالطفل المريض ليتحمل حرارة الشمس الحارقة، وصعوبة الزحام ، والوقوف والانتظار طويلا لرؤية مليكه، وفهم الملك ان هذا الحب ليس لمجرد رؤية الملك الذي تغنية وسائل الاعلام عن هذه المعاناة ، بل قفزت إلى معاني القرب والمشاركة والمشاهدة الحية بصدقها وعمقها ومعانيها.
لم يكن لقاء الملك بالطفل مجرد تلبية رغبة لطفل ، ولم تكن مجرد واجب عند ملك ازدحمت اجندته اليومية، بل جاءت تعبيرا عن معاني الابوة الصادقة ،والوفاء لطفل عشق مليكه ، وشكر من الملك لطفل أحب لقاء عزيزه، فأسف الملك للطفل على معاناته ،تعبير أبوي لكل طفل أردني بل تعبير عن شعور ملكي بالحب لأبناء شعبه وتقاربه منهم ومشاركته همومهم .
إنسانية الملك التي دفعته للقاء هذا الطفل هي نفسها التي دفعته لمساعدة المواطنين بإطفاء حريق شب عند جيرانه ، وهي نفسها التي جعلته يساهم في دفع سيارة تعطل سيرها وسط الثلوج بالعاصمة ، وهي نفسها التي قادته لبيوت الفقراء والمعوزين في أطراف العاصمة والقرى النائية وهي نفسها التي أبكته ووالد الشهيد عند وداع أحد شهداء الواجب قضى نحبه في مقاومة الإرهاب ، وهي ذاتها الإنسانية التي تشعرك وانت تتحدث معه وحدكما بانه صديقك ورفيقك وزميلك الذي تعرفه منذ عشرات السنين.
هذه الانسانيات هي التي دفعته ليكون عالمي اللغة والخطاب وهي التي عنونت كواضيعه بالسلام العالمي والتشاركية والانفتاح والحلول السلمية والمؤاخاة والتعاون والتصالح وتعاون الشعوب وانصهار الحضارات وتقارب الاديان .
إنها معاني الانسانية التي صنفها علماء الاجتماع بأرقى حاجات الفرد وأكثرها تطورا.
وسط هذه المواقف التي يعتز ويفتخر بها الاردني يجد مليكه يصارحه ويؤكد له سوء الأوضاع ويتفق معه تماما بالمعاناة والألم ، ويضعه بصورة سعيه الدولي ومدى استجابة العالم لمعاناة الاردن والتي وصفها بالمقصرة .
المواطن الأردني يدرك ذلك وتتعزز لديه معاني التقارب والاحترام والنظرة نحو جهود الملك وسط هذا الموج المتلاطم .فالمواطن الاردني لا يريد اكثر من لحظات الصدق التي جسدها الملك في كل مواقفه ، ويريدها من عناصر الحكم في الحكومة والنواب والاعيان واجهزة الدولة المختلفة . يبقى المواطن متعلقا بمليكه ويبقى الملك هو القاسم المشترك بين الاردنيين ومحبته هي الضمان الذي يخلق حالة الامن والتفاؤل في هذا الوطن . وهي نفس الصورة التي نتحدث بها مع زملائنا في الجامعات العربية والباحثين عندما يسألون عن سر استقرارنا الامني وفشل ما سمي بالربيع العربي من تحقيق اهدافه.
إنسانية الملك دواء مسكن لآلام الناس ومطهر لجراحهم ومخفض لحرارة التوتر التي تنتاب الفرد منا في مثل أوضاعنا الأردنية المؤلمة . فهل قلدت الحكومة الملك وانتهجت سياسته الإنسانية ، بالتخفيف عليه وعدم تهديده بدخله وقوته .وهل تتجه نحو تحصيل ما لها من ضرائب وخاصة عند الاغنياء والميسورين والحد من التهرب الضريبي وتفعيل قانون الاموال الاميرية ،وتوجيه الدعم بأدوات مدروسة فهذا الجانب وحده يكفي لتلبية مطالب البنك والصندوق الدولي الذي وجب عليه تقدير ظرف الأردن وما يتحمله تجاه الإنسانية.
فهناك الكثير الذي يمكن عمله لدعم الموازنة بعيدا عن قوت المواطن وراتبه المتآكل خاصة بعد فتح معبر طريبيل والتفاؤل بمعبر نصيب وجابر. موقف الملك رسالة لكل من يستوعب كيف هي الإنسانية .