عقدة البطولة تصيب كثيرين ، في حياتنا السياسية ، ولا تجلس مع مسؤول حالي او سابق ، الا ويحدثك ، عن بطولاته التي انقذت الاردن سرا ، او علنا ، ولا تعرف في مرات كثيرة ، سر هذه العقدة ، التي تجعل كثرة ، تظن نفسها ، انها الاب الشرعي للمرحلة ، او ما قبلها ، او ما بعدها ، فما اكثر الذين يدعون "أبوة" الاردن.
كثرة من هؤلاء ، تنسى انها كانت ، اساسا ، في موقعها ، وحصلت على كل امتيازات موقعها ، من اجل دور وظيفي محدد ، احد اشتراطاته هو ممارسة البطولة الوظيفية ، بحيث لا تكون هذه "ابوة" بقدر كونها وظيفة مدفوعة الراتب ، اساسا ، وهذا الاردن يحتمل كل يوم ، وكل سنة ، وكل شهر ، وكل عام ، اسماء جديدة ، تنتسب الى سجل الذين يدعون انهم لما كان الاردن ، ولما كان البلد ، وهي عقدة غير طبيعية ، ولا تسمع من مسؤول حالي او سابق ، في العالم ، ايحاءه او قوله ، انه لولاه لما حدث كذا وكذا ، فهؤلاء يؤمنون بوجود "ماكينة" وادارتها لا تعني تفردا بالبطولة.
لا زعامات في الاردن ، ولا ارباع زعامات ، والانجازات فقط سببها الملك ، الذي يوجه كل الاطراف خلال العشر سنوات الاخيرة ، من اجل مصالح الاردن ، ومصلحة الناس ، وحياتهم ، وعلى هذا فان الفضل يرد الى صاحبه فقط ، ومثلما واجه الاردن مرحلة رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق ارائيل شارون ، ومثلما واجه التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، من الغلاء مرورا بحرب غزة ، وصولا الى كل تداعيات المشهد الداخلي ، والعلاقات مع اقليم تلاعبه ويلاعبك ، قادر دائما على مواجهة السنوات المقبلة ، فالملك عبدالله الثاني بن الحسين يمتلك من الذكاء والحصافة والغريزة التي تؤهله لحماية الاردن ، والعبور به في كل قضاياه الداخلية والخارجية.
استطالة القامات ، سياسيا ، في اي مرحلة ، امر غير محمود ، وقد قيل فيه من الذم والقدح ، الكثير الكثير ، غير ان البعض سرعان ما يقع في ذات الفخ ، فخ استطالة القامة ، وهو فخ يقتل صاحبه ، على طريقة "الصدمة والترويع" ، فلا قامات الا قامة الملك ، وقامة الاردن ، وبعد كل هذا فان الاردن لا ينقصه الرجال القادرين على خدمته ، والذين يعرفون ان الخدمة الوظيفية ، هي تكليف ، وليس حالة رمزية ، ولا يصح ان تتحول الى حالة رمزية ، وقد خبرنا عشرات الاسماء التي حاولت الاستطالة ، او ان تتحول الى انصاف زعامات ، او ان تغرق في استجلاب الرمزيات ، فكانت النتيجة واحدة ، فهناك عين الملك التي ترقب المشهد ، بكل تفاصيله ، وهي التي تؤمن ان الاردن بحاجة فقط الى من يؤمن به ، ويخدمه ، دون ادعاء ودون تضخم في "بروستاتا" الحضور او الوجود ، ودون استدعاء للاحساس بشراكة في غير محلها ، او قوة خارقة ، لا تكون موجودة ، اساسا ، الا بفعل الموقع والوظيفة ، لا بفعل الشخص الكامن ، خلقيا ، او حياتيا.. او اكتسابا.
للاردن اب واحد ، هو عبدالله الثاني ، وهو الذي يدير دفة الحكم ، ويقرر الذي يريده ، وخياراته نحترمها ، وابوة الملك للاردن ، مسنودة بتاريخ ممتد عبر الاف السنين ، وهو تاريخ لا يمكن تجاوزه اليوم ، فالهاشمية السياسية ، اذن لم تكن وليدة مرحلة ، ولم يكن استمرارها او قوتها ، نتاج عطاء خارق لاي موظف ، مهما بلغت رتبته ، او ظن ان الزمان زمانه ، فقد اثبتت التجارب دوما ، ان الهاشمية طوق نجاة بحد ذاتها ، وبدفع ذاتي من سرها ، لا من اي احد اخر ، وكل "احد اخر" يظن في فترة ما ، انه كان مظلة المرحلة ، سيصحو على طرقات تذكيره بحقيقة ان هناك فرقا بين استحقاقات الوظيفة وبين تسبب الوظيفة في عقدة الشعور بأبوة غير مطلوبة ولا شرعية ، او عقدة الشعور بالبطولة او الزعامة ، وغير ذلك من درجات الشعور بالعظمة.. والوجود.
على كل واحد ان يعرف مساحته وحجمه ، وان نتذكر المثل القائل "لا تقعد في مجلس تقيمك الرجال منه" وان نتخلص من الانتفاخات التي رأيناها في حياة عدد لا بأس به من حياة مسؤولين ، وان نتذكر جميعا ، ان اي انجاز هو انجاز الملك وحده ، واي ابداع على مستويات اقل ، هو ابداع مدفوع الثمن ، عبر الراتب والامتيازات ، و"البريستيج".
اعانك الله ايها الاردن ، على الذين يحملونك "الجمائل".. رغم انها مقبوضة الثمن مسبقا.
.. وبرغم انها مقبوضة الثمن الا ان الاردن لا يسلم احيانا من «استطالة القامات» او «اطالة اللسان» وكليهما خطيئة.
m.tair@addustour.com.jo