دّوا عليه التحية بمثلها .. !!
حسين الرواشدة
27-09-2017 01:12 AM
يمكن للمواطن ان يبتلع المقررات الاقتصادية الصعبة التي تنزل عليه بالبراشوت، يمكن – ايضاً- أن يتحمل “ أخطاء” المسؤولين الذين تصورا أن “الموقع” العام “جمعة مشمشية” فأخذوا نصيبهم منه ومضوا، يمكن -ايضاً- ان يشدّ ما تبقى لديه من احزمة على “بطنه” ويستدين حتى ميسرة (!) لسداد التزاماته من فواتير ورسوم وضرائب.
الأردني، أصيل، يفعل ذلك وأكثر، خاصة وهو يرى بعينيه ما يجري حوله، ويحرص -أشد- الحرص على وطنه، ويسعى -ما استطاع- ان لا يمدّ يده لأحد، وأن يحافظ على ما تبقى من كرامته...
صحيح ان الشخصية الأردنية، دون غيرها من الشخصيات العربية، لم تجد من يدرسها على محمل الجدّ : علي الوردي قدم أفضل الدراسات الاجتماعية عن الشخصية العراقية، جمال حمدان كتب عن “شخصية مصر” كما قدم باحثون آخرون مؤلفات عن شخصيات شعوبهم، لكن من قال ان أصحاب القرار يمكن ان يأخذوا أي دراسة للشخصية الأردنية على محمل الجد عند اتخاذ أي قرار؟
ما علينا، المهم ان نفكر في مسألتين: الأولى ان رضى الأردنيين على واقعهم “الصعب” هو جزء من شخصيتهم التي تميل للصبر والتحمل والحكمة، وهي سمات ليست ثابتة بالمطلق، لكنها أصيلة، ويمكن الاستثمار فيها، لكن نفادها بأي صورة يجب ألا يفاجئنا، لأن معنى ذلك وكذلك نتائجه، سيكون مفزعا بامتياز.
أما المسألة الثانية، وهي متصلة بالأولى، فهي ان أسوأ ما يمكن ان نفعله، اقصد الحكومات والنخب، ان تتعامل مع هذه الشخصية بمنطق الاستفزاز، هنا سنقع في الخطأ، وسندفع الناس -بقصد او دون قصد- لاختبار صعب لا طاقة لهم على اجتيازه، لماذا؟ لأنه يتعلق “بالكرامة” التي يحرصون على حمايتها من أي جراحات، والكرامة لا تتعلق بالذات وانما بالوطن الذي تشكل في وعيهم باعتباره قيمة مقدسة وملاذاً ليس لديهم غيره.
منطق الاستفزاز يفهمه الناس في إطار “الاستهانة” بهم، وعدم احترام وعيهم وتضحياتهم، أو تقدير وطنيتهم التي جعلتهم حريصين على بلدهم، ومستعدين لتحمل كل شيء حتى لا يمسه اذى مهما كان.
كان لدينا فيما مضى “حساسات” سياسية واجتماعية مكنتنا من تجاوز الأزمات، كما ساعدتنا على استشراف ما يمكن ان يحدث، كان لدينا -ايضاً- وسائط اجتماعية ساهمت في ضبط إيقاع الغضب والاحتجاج، وكان لدينا -ثالثاً- منطق “فليسعد النطق إن لم تسعد الحال” نستخدمه للمصارحة احياناً، وتطييب الخواطر وتهدئة النفوس احياناً أخرى، كان لدينا -رابعاً- مسؤولون يستطيعون ان يواجهوا الناس ويقنعوهم، بالفعل لا بمجرد التصريحات المسلوقة، كان لدينا – خامسا - مفهوم للأسرة الواحدة وخطوط حمراء “للوحدة الوطنية” وأمل في غد أفضل.
لا يخطر في بالي ان اقلّب المواجع، اريد فقط ان أقول : يجب ان نتوقف تماماً عن “استفزاز” الناس ونكئ جراحاتهم واثارة مشاعر الغضب داخلهم، يجب ان نتواضع في استعراضاتنا السياسية، فنحن احوج ما نكون لنزع كل فتيل يثير قلق الناس ومخاوفهم، سواءً أكان هذا الفتيل على صيغة مقررات عاجلة، او سياسات خاطئة، او وجوه غير مرحب بها ، و منطق اعوج يجاهر بالسوء ويسير بعكس تجاه مصلحة البلد.
أرجو أن لا يسألني أحد عن مظاهر “الاستفزاز” فلدى كل منا عشرات النماذج، الفساد “الوقح”الذي يمد لنا لسانه كل يوم دون ان يجد من يردعه مصدر استفزاز، الضرائب التي تفرض على الفقراء قبل الأغنياء تستفز، موازين العدالة التي اختلت تثير غضب الناس، المقررات التي أدارت ظهرها للمجتمع سواء أكانت على شكل تعيينات غير مفهومة، ام إجراءات غير مشروعة، تستفزنا، المؤسسات التي تراجعت في الأداء والمحاسبة، آلاف الموظفين الذين قررنا قطع أرزاقهم والقاءهم في الشارع دون ان تكون هناك معايير واضحة لإنهاء خدماتهم، استفزت الناس أيضاً.
رجاءً، ردّوا على تحية الناس بمثلها(! ) إن تعذر ان تردوا عليها بأحسن منها، ودعوا الناس يتصالحون مع أنفسهم ومع بلدهم قبل ان تدفعهم المقررات الخاطئة الى الجدار.
الدستور