شـفـيـق ارشيـدات .. حـيـن يصبـح الـغـيـاب حـضـــوراً
أحمد الحوراني
26-09-2017 04:50 PM
إشهار الفيلم الوثائقي الذي يجسد حياة معالي المرحوم شفيق ارشيدات يوم أول من أمس، يشكل دافعاً ضرورياً لتوثيق سير الرجال الذين كانوا نتاج ثقافة أردنية عربية تستند إلى فهم وإدراك ومشاركة للوجع العربي والإسلامي غير آبه بالثمن طالما أن المنطلق عقيدة والتوجه سليم والغاية شريفة والهدف سامٍ.
يأتي الفيلم ، في وقت بالغ الأهمية، ليكتسب قيمة نوعية مضافة، ورغم مرور نحو أربعين عاماً على رحيل شفيق ارشيدات، إلا أن رجلاً بهذه القامة، لاشك أنه باق في الذاكرة والضمير والوجدان، بالنظر إلى المساحات العملية الواقعية التي شغلها طيلة سنوات حياته التي بقي فيها متمسكاً بمبادئه وثوابته العربية والقومية المتأصلة فيه، والتي كان مسكوناً فيها بحمل الهم الوطني والعربي، وبالحرص على تقدم بلده وخدمة مصالحه العليا بمنأى عن اعتبارات آنية ومصلحية ذاتية، ما يؤكد بأننا أمام سيرة رمز من رموز البناء والعطاء الحقيقي الذي لم يستند في ظهوره على إعلام مقروء أو مرئي أو مسموع، إنما كانت مآثره ومنجزاته هي الشواهد التي رسخت صورته في أذهان الكثيرين سواء ممن أُتيحت لهم فرصة الحديث أو من أولئك الذين عرفوه وعايشوا تجربته، أو قلبوا الصفحات وهم يقرؤون عنها كما هو الحال بكاتب هذه السطور.
في هذه المقالة اليسيرة، لا اود إعادة ما قيل في الرجل من صفات، بل اود طرح السؤال الذي نحن بأمس الحاجة لإجابة عنه، وفحواه، بأنه، لماذا ورغم مرور عقود وسنوات، على رحيل هامات وطنية وانتقالها إلى الرفيق الأعلى، ما زلنا نحب تلك الأسماء من الرجال، وما زلنا نعلق آمالنا وطموحاتنا عليهم، وكلما إدلهم بنا الخطب، ضُربت بهم الأمثلة فكانوا خيرة النماذج التي نلجأ إليها، واجزم باختصار، لأن لكل واحد منهم كما هو الحال بالفقيد الكبير شفيق ارشيدات، دور وأي دور!.
شفيق ارشيدات واحد من الذين لهم في أعناقنا دين كبير، دينُ الرواد على الأحفاد، كيف لا وهو الذي بنى وأعطى وأسس بعيداً عن الشبهات، وهو من الذين شكلوا جسراً عبر الأردن عليه، ولم يجعل من الأردن جسراً ليعبر عليه هو، فلقد كانت حياة الراحل ارشيدات كتاباً انطوت دفتاه على التجارب الإنسانية والعملية الغنية، وقد كان لغلبة العام على الخاص في سيرته الشخصية، الفصل الأول في تجارب صفحات هذا الكتاب مشرعة لكل من ينشد التواصل بين ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، إذ أنه وبدون هذه الصلة ستفقد الشعوب جزءاً مهماً من تراثها وعنصراً أساسياً من عناصر تكوين شخصيتها المميزة، وبالتالي دورها في محيطها الطبيعي وعالمها الواسع.
خلاصة القول، أن غياب الكبار محنة في كل الظروف، ولكنه في الزمن الصعب يتعدى الحزن الخاص والألم الشخصي إلى صميم المصير، فالشعوب تحتاج إلى من كانوا مثل شفيق ارشيدات، ووصفي التل، وهزاع المجالي، وخليل السالم، وسواهم، رجاحة عقل ورحابة صدر، وهي تفتقدهم وتتطلع إلى ذكراهم تستلهم منها الدروس الكفيلة بمساعدتها على استشراق ما وراء ذلك المنعطف.