الاعتداء على الصحافيين"الرسائل المتبادلة"
د. محمد أبو رمان
25-01-2009 04:31 AM
ثمة رواية "مفزعة" يسردها الزميل أحمد التميمي، مندوب "الغد" في إربد، لتفاصيل الاعتداء الذي تعرّض له قبل أيام قليلة. فالرجل اختُطف من الشارع العام، من قبل مجهولين، اقتادوه إلى مزرعة، وأوسعوه ضرباً، لولا أنّ "القدر" تدخّل لإنقاذه بوجود مزارع في مكان الحادثة.
وإذا كان التحقيق القضائي في الحادثة ما يزال جارياً، فإنّ الجملة الخطرة والمهمة في تحديد خلفية وأبعاد ما حصل تأكيد الملثمين للتميمي أنّ سبب الاعتداء هو بعض مما كتبه الزميل، وهنا بيت القصيد.
فدلالات الحادثة لا تقف عند حدود الاعتداء على مواطن من قبل ملثمين، وإن كان ذلك "مقلقاً" في بلد ينعم بالأمن والقانون مثل الأردن، لكن المسألة تتعدى ذلك إلى حالة الصحافي والإعلامي الذي يقوم بواجبه ويقدم الرسالة المطلوبة منه تجاه الأحداث والتطورات، فأي رسالة يمكن أن يتلقفها الصحافيون والإعلاميون من هذه الحادثة، وهل سيبقى لديهم شعور بالأمن بعد تكرر حوادث الاعتداء؟!
بالطبع، ستتابع "الغد" تفاصيل التحقيق القضائي للتأكد من إلقاء القبض على "الجناة" ونيلهم العقوبة التي يستحقونها. لكن الأهم من ذلك أن تلقى هذه القضية اهتماماً أكبر لدى المسؤولين الإعلاميين والسياسيين والأجهزة الأمنية في البلد، فالطريقة التي تمّ بها الاعتداء هي تحدٍّ – ابتداءً- لهيبة الدولة ومؤسساتها واحترامها لنفسها، قبل أن تكون اعتداء شخصياً على الزميل.
والحال أنّ هذه الحادثة بمثابة عنوان رئيس ومحطة حساسة. فإذا تعاملت الحكومة بحزم مع الفاعلين، وكشفت عنهم بسرعة، وفضحت من يقف وراءهم فإنّ هذا تأكيد لا لُبس فيه أنّ عمل العصابات والمافيات والتطاول على الدولة هو خط أحمر لا تهاون فيه، وليس مكانه في الأردن، وتطبيق عملي لخطاب الملك الواضح في حصانة الإعلام والإعلاميين.
وعلى النقيض من ذلك، إذا تهاونت الحكومة ولم تلق هذه القضية ما تستحقه من الاهتمام الرسمي، ومرّت من دون وجود صدى سياسي وإعلامي فإنّ هيبة مؤسسات الدولة ستتضرر من ناحية. وسيغري ذلك، من ناحية ثانية، آخرين بتجاوز القانون والسلطة والتعامل بمنطق الثأر الشخصي والعمل الجنائي، وكأننا لسنا في دولة تتميز إقليمياً بقدر كبير من الاستقرار السياسي والأمني والنزاهة القانونية.
ما يدفع للقلق إلى الآن، هو ضعف الاهتمام السياسي الرسمي بالحادثة. فالزميل لم يتلق اتصالاً واحداً من أي مسؤول رفيع، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، ولم يسمع خطاباً واضحاً معلناً بإدانة الحادثة والتأكيد على حرص الحكومة بإلقاء القبض على الجناة ومعاقبتهم، وهي حالة غريبة غير مبررة ولا مقبولة من التجاهل الرسمي.
الاتصال الرسمي مع الزميل التميمي يمثل رسالة إعلامية رسمية واضحة أكثر من كونه لغايات الاطمئنان عليه وعلى أوضاعه بعد الضربة. ويدرك المراقبون أنّ الاتصالات الرسمية العالية والتأكيدات على رفض العنف بحق الصحافيين وعلى فتح تحقيق في حالتي الاعتداء على الزميلين جميل النمري وياسر أبوهلالة كان لها الأثر الكبير في تشكيل السياق السياسي الضامن لحصانة الإعلاميين، وهو ما برز كذلك في التقارير الدولية التي أشارت إلى الموقف الرسمي الحاسم ضد هذه الأحداث، ما رسّخ انطباعاً إيجابياً في الخارج بوجود "فيتو" رسمي عالي المستوى ضد إهانة الصحافيين أو الاعتداء عليهم بسبب عملهم.
للأسف، فإنّ التجاهل الرسمي الحالي للاعتداء على الزميل التميمي هو رسالة في الاتجاه المعاكس تماماً، وتوحي بضعف الموقف السياسي في مواجهة تكرار الاعتداء على الصحافيين، ما يمثل خطراً حقيقياً على الحريات الصحافية وعلى المهنية الإعلامية، ويحدّ مستقبلاً، في حال استمر هذا المسلسل، من دور الإعلام وقدرته على أداء رسالته الأخلاقية والمهنية.
m.aburumman@alghad.jo