بعيداً عن المجاملات والوطنيات، الاتهامات والمراهنات، وبين محلل ومشرع يتساءل البعض عن التهرب الضريبي، فما هو التهرب الضريبي؟ ومن هم المتهربون ضريبياً؟ وكيف يتهربون من دفع الضريبة؟ ولماذا يتهربون من دفع الضريبة؟ وهل فعلاً وصلت قيمة التهرب الضريبي حسب التصريحات الرسمية الى ما يقارب من المليار ونصف في العام ٢٠١٦ فقط !!
اذا كان التهرب الضريبي قد تم تعريفه وفقاً لقانون ضريبة الدخل رقم ٣٤ لسنة ٢٠١٤ (المعمول به حالياً) في المادة رقم ٦٦ ، وفي القانون رقم ٢٨ لسنة ٢٠٠٩، والقانون رقم ٢٥ لسنة ٢٠٠١، والقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٨٥ وجاءت النصوص القانونية متشابهة الى حد ما من حيث تعريف المتهرب الضريبي على انه كل من قدم الإقرار الضريبي بالاستناد إلى سجلات أو مستندات مصطنعة أو ضمّنه بيانات تخالف ما هو ثابت في السجلات أو المستندات التي أخفاها مع علمه بذلك. قدّم الإقرار الضريبي على أساس عدم وجود سجلات أو مستندات وضمّنه بيانات تخالف ما هو ثابت لديه من سجلات أو مستندات أخفاها. اتلف قصدا السجلات أو المستندات ذات الصلة بالضريبة قبل انقضاء المدة المحددة للاحتفاظ بها وفق أحكام القانون (أربع سنوات أو حتى الفصل بالقضية الخلافية بالمحكمة أو عشرة سنوات حسب قانون التجارة في قضايا التهرب الضريبي حيث أصبحت المدة ثمانية سنوات لإعادة النظر). اصطنع أو غيّر فواتير الشراء أو البيع أو غيرها من المستندات لإيهام الدائرة بقلة الأرباح أو زيادة الخسائر. أخفى نشاطا أو جزءا منه مما يخضع للضريبة. اقتطع مقدار الضريبة وفق أحكام القانون ولم يوردها للدائرة خلال ثلاثين يوما من تاريخ دفعها.
واقع الحال يرى فيه البعض ان المتهرب الضريبي هو اي شخص تتاح له الفرصة في التهرب من دفع الضريبة، مع اختلاف نسبة التهرب، فالتهرب الضريبي لطالما كان مفهوماً نسبياً يختلف من سنة الى سنة ومن فئة الى فئة ومن دولة الى اخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر لن يتوانى طبيب ما او صاحب محل تجاري من قبض اجوره او مبيعاته نقداً وعدم الإعلان عنها في كشف دخله السنوي وعدم دفع الضريبة المستحقة، حتى لو كان الطرف الثاني من العملية موظفاً او مسؤولاً حكومياً اذا كان سيترتب على ذلك انخفاض في المبلغ المدفوع للحصول على الخدمة او السلعة.
يغفل البعض بان التهرب الضريبي علم وفن، له اصوله وطرقه فليس الجميع يتقنونه، ويقع البعض ضحية لعدم الاحتراف في التعامل مع الدوائر الحكومية، بينما يوفر البعض الملايين في معادلة متقنة باللعب في الأرقام والمعطيات، المستندات والحقائق. فالتزوير في الحسابات وإخفاء بعض الإيرادات والفواتير، والاحتفاظ بأكثر من نسخة من المستندات، وبناء علاقات وشراكات مع موظفين داخل الدوائر الضريبية وخارجها وغيرها من أساليب التهرب الضريبي أصبحت واقعاً تدركه الحكومات المتعاقبة.
عدالة القوانين ودقتها، شموليتها وسهولة تطبيقها، أدوات لاجتثاث التهرب الضريبي من جذوره، فكما هو الفساد التهرب الضريبي بحاجة الى معالجة الجذر وليس الفرع، والمواطنة الصادقة والانتماء الحقيقي لا تكون الا عندما يشعر جميع أفراد المجتمع بالعدالة وبان لهم قيمة في الوطن، وان القانون يطبق على الجميع دون استثناء وان مقياس التفاضل بين المواطنين يكون من خلال الإنجازات والافعال لا المهاترات والأقوال.
في إنجلترا على سبيل المثال لا الحصر لا يراجع المواطن دائرة الضرائب HMRC نهائياً، ويقوم المواطن من تلقاء نفسه بإعلان دخله بعد أخذ المشورة والنصح من المحاسب القانوني، ويتم قبول الإقرارات الضريبية المقدمة بنسبة تتجاوز الـ ٩٨٪ ، في حالات ضيقة تخضع بعض الاقرارات الضريبية الى التدقيق والتحقيق من قبل دائرة الضرائب HMRC في حال اكتشاف اخفاء او اخطاء جوهرية تتعلق في الدخل.
ختاماً فالجميع يتحدث عن التهرب الضريبي وضرره على موازنة الدولة، وينادي البعض بعدالة القوانين ولكن يطالب بنفس الوقت بالاستثناء من تطبيق هذه القوانين كما هو حال الحديث عن الفساد، ولكن من مفارقات الاقوال والافعال تجد البعض الذي يحارب التهرب الضريبي هو اول من يتهرب من الضريبة اذا اتيحت له الفرصة في التهرب! كحال الفساد يحاربه الجميع قولاً وعند اول فرصة متاحة لدخل غير قانوني من رشوة وواسطات وتجاوز اداري ومالي لا يتوانى البعض عن القبول فلماذا هذا التناقض!
*عضو لجنة خبراء إعداد القوانين الضريبية سابقاً. لندن / المملكة المتحدة