يحق للرئيس الأميركي دونالد ترمب أن يجاهر بالتفاخر بالإرث الأميركي الجميل وكذلك يحق لكل أميركي أن يفعل ذلك، فالدستور الذي صاغه الآباء المؤسسون لشبه القارة الأميركية مختلطة الأعراق وضع الشعب في مقدمة صناع القرار، وبناء عليه إستمر الشعب يختار رؤساءه، ولكن رغم مرور مئتين وثلاثين عاما على صياغة الدستور الأمريكي الذي لا يزال على قيد الحياة مذاك الحين، فإن القيم الأميركية تواجه الشكوك والمجابهة حول العالم، ولهذا تناول الرئيس ترمب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي، الرؤية الرسمية الأميركية بطريقة فجة وذكية معاً، إذ أكد على عدم فرض القيم الأميركية الخاصة على أحد، ولكنه قد وضع الجبن أمام الجياع فقط، وأنا شخصيا أخذت نسخة من الدستور الأميركي كهدية من وزارة الخارجية في واشنطن عام
2011 ،إنه جبن لذيذ ولكنه محرّم في عقيدتنا السياسية.
ترمب هو أهم وأعنف زعيم يقف على منصة الأمم المتحدة، وهو لا يمثل نفسه التي يتحدث لها
كثيرا في خطاباته، بل يمثل أكبر وأقوى دولة في العالم، ومن خلفه شعب طيب تستطيع قنوات فوكس وإن بي سي وأي بي سي وسي أن أن وصحف واشنطن بوست ونيويورك تايمز وزميلاتها بشكل أقل أن تؤثر على مزاج وفهم الجمهور لقضايا العالم الخارجي، وتحديد من يقف مع الولايات المتحدة ومن يقف ضدها، ولهذا تشكل الديمقراطية الأميركية حلما للملايين حول العالم، ولكنهم يشتهونها ويخشون الوقوع فيها، خصوصا في عالمنا العربي الذي ثبت بالوجه القاطع إن شعوبنا لا تزال تعشق الديكتاتورية بل وتعيش حالة من الإنكار، أوصلنا جميعا الى عقدة «الماسوشية» والتلذذ بالإضطهاد.
من حق ترمب أن يعلن فخره كالعادة بالحضارة الأميركية والسلطة الأميركية حول العالم، وتهديده بإبادة دول وبناء أخرى، ولعل أكبر فخر له
أن جميع زعماء العالم يحجون الى نيويورك مدينته التي تخطف الأضواء حيث مبنى الأمم المتحدة الذي لا يبعد عن برجي التجارة سوى بضع
شوارع وللذين لا زالا شاهدين على ما أسماه ترمب بالإرهاب الإسلامي الذي إنطلق منذ بداية هذا القرن الثقيل، فيما شعوب وحكومات عربية
وإسلامية تثبت رأي ترمب وشكوكه في وجود إرهاب إسلامي، فلغة الحوار باتت خدعة لتجميل بشاعة الحقيقة السلطوية، والخلافات ممهورة
بالدماء، والضحايا يتساقطون حتى الساعة في بلاد العرب، وكأننا في وادي الضباع الجائعة المتوحشة.
نعتقد ولا نجزم بأن ترمب عندما يلقي خطبته الأولى أمام نخبة العالم السياسي في العالم، إنما يحاول أن يرضي نفسه ويشد أزر غروره ، ويصقل موهبة البزنس التي يحترفها، فهو وصل الى البيت الأبيض على متن حافلة الشوفينية والعنصرية والشعبوية، حيث العرق الأحمر كان محركا لخطاباته المثيرة، واستهزاؤه بالمسلمين والملونين جعل منه « دراكولا» الذي يعشقه محبو أفلام الرعب، فكيف سيساعد الشعوب المضطهدة إذا ، وإن كانت القضية الفلسطينية مشكلة بالنسبة لنا ، فهي حتما ليست مشكلة للكثير من دول العالم وعلى
رأسها أميركا، ولهذا لا نتوقع أي حل للصراع السياسي بين الفلسطينيين وإسرائيل في القريب العاجل ، حتى لو حلت حماس نفسها وورث
محمود عباس أو غيره القيادة المطلقة ، فالمقود غير مرتبط بالواقع الكارثي الذي وصلت إليه شعوبنا العربية وعلى رأسهم الفلسطينيون.
الأصل أن تقرر الولايات المتحدة إنهاء مشاكل العالم العربي وهذا ما يهمنا، وهذا ليس ضربا من السذاجة أو الهبل السياسي ، بل هو حقيقة واقعة، فليس هناك دولة في عالمنا العربي إلا وتنتظر من واشنطن قرارا لحل مشكلتها، أكانت سياسية أو إقتصادية أو جيوسياسية، وما نعيشه من إضطراب في الرؤية والتفكير السياسي في عالمنا العربي يحتاج الى «دكتور ترامب» المغرور لمعالجته، فهو أفضل من يقول لك الحقيقة ، إنه يقول لك: كم أنت بشع،وهو يقهقه، وعالمنا العربي بات بشعا، جراء الجروح الدامية والخلافات المستعصية، وعلى أحد ما أن يوقف هذا الطاعون العربي الذي بات ينتشر بشكل كارثي، حيث الحروب، والنهايات الميتة لكل قضية إصلاح ، وانعدام الأمل في تغيير
المنهج السياسي للدول العربية.
ولو تمت تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني أو غيره من الشعوب ، لن يتحرك أحد لمنع أي إجراء ، فالحياة انتهت
بالنسبة للصمود والتصدي ، ولا احد يريد ان يحارب بالإنابة عن غيره
الراي