يختلف اختلافا كبيرا مضمون مصطلح حسن العمل بين فرد وآخر بحسب موقعه ودوره القيادي وبحسب ما يتحمل من مسؤولية في المؤسسة والدولة، فالمطلوب من الفرد العادي أن يُحسن عمله وأن يبذل جهده في إنجاز مهمته الموكولة اليه ، وتجويد انتاجه على صعيده الفردي، وأن ينافس الآخرين ويسابقهم بحسن الأداء وجودة الانتاج وهذا من صميم مفهوم قوله تعالى: «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»، فالتنافس المطلوب هنا هو التنافس في الخير، والخير هو حسن العمل واتقانه، خاصة إذا كان يخص المصلحة العامة والمصلحة الوطنية العليا.
أما حسن عمل القائد بصفته القيادية وموقعه من المسؤولية فيتمثل بقدرته على تحسين عمل مؤسسته التي يتولى مسؤولية ادارتها، بمعنى أن حُسن عمل القائد يتجلى بحسن أداء الأفراد الذين يعملون تحت إمرته من خلال الارتفاع بملكاتهم، وإيجاد سبل التعاون والتكامل بين أدوارهم وتنسيق جهودهم، ليصبح العمل مؤسسيّاً وجماعياً وتشاركياً وفق خطة المؤسسة وبرنامجها، ومن هنا فليس مطلوباً من القائد أن يقوم بالعمل نيابة عن أفراده، حتى لو كان حسناً ومتقناً وذا جودة عالية، فهذا ليس محلاً للمدح ولا للتمجيد.
العمل المؤسسي هو الآلية الصحيحة في تجويد الانتاج وتحسين الأداء، حتى لا يكون العمل والانتاج مرتبطاً بشخص واحد، ومرتهناً بقدراته وحضوره ووجوده، فعندما يغيب الشخص الأول يغيب العمل ويتردى الأداء ويضعف الانجاز، وتنهار المؤسسة، فهذا ليس من باب الاتقان ولا الاحسان، بل هو من باب الفشل ومن علامات الضياع والأفول، ولو قمنا بعملية استقصاء سريع لمجمل المؤسسات الصغيرة والكبيرة والوزارات والحكومات والدول والامبراطوريات، لوجدنا أن النتيجة الواضحة التي يقرها العقل والتجربة والتاريخ وكل الدراسات والأبحاث الموضوعية تتمثل بأن مؤسسة الرجل الواحد، تموت بموت الواحد، وأن دولة الرجل الواحد سوف تنتهي بانتهاء الرجل الواحد كذلك، مهما كان هذا الواحد قوياً وملهماً وعبقرياً وكان فريد عصره ووحيد دهره وفلتة زمانه.
الدول الناجحة التي تشق طريقها نحو التقدم والازدهار وتعرج في مصاعد الحضارة، هي التي تكون دولة المؤسسات، التي تجيد العمل الجماعي المنظم والأداء المنسق المشترك، الذي يسير على خطة مبصرةوواضحة الغايات والأهداف والوسائل والأساليب والسياسات، والرؤية والرسالة في كل مسار وعلى جميع المستويات وفي كل المجالات، والدولة الفاشلة هي دولة الزعيم الواحد الأوحد الذي لايتم تصور وجود الدولة بدونه ، والذي يحول مرؤوسيه إلى قطيع من العبيد الذين لا يدركون الأهداف ولا الغايات، وليسوا قادرين على الاجتهاد فضلاً عن الإبداع والتطوير والابتكار.
هذا لا يعني انعدام أثر القائد في نجاح المؤسسة، بل على العكس تماماً، فالقائد هو الذي يسهم في بناء المؤسسة، ويسهم في ترسيخ عملها الجماعي المنظم ، ويحرس التنسيق بين أفرادها في كل مستويات العمل، ويجيد دوره المتقن في القيادة التي تتجلى في تفعيل الأفراد وزيادة إنتاجيتهم، والعمل على تزويدهم بالمهارات المطلوبة ويعمل على تنميتها وتحسين أدائهم وتعزيز نجاحاتهم ورفع مستوى العمل لديهم، وحل مشاكلهم ومكافأة المحسن منهم، وإيجاد الأنظمة التي تحفظ حقوقهم وترقية من يستحق الترقية وفق مقتضيات العدالة والنزاهة ومحاربة كل عوامل الاحباط التي تتأتى من انتشار الظلم والفساد والمحسوبية، ويسد كل منافذ النفاق والتزلف.
العمل المؤسسي المطلوب يقوم على مبدأ المسؤولية المقترنة بالمحاسبة والمراقبة، وعندما تخلو المسؤولية من شق المحاسبة العامة والمراقبة الدقيقة، فقد ضاعت المسؤولية وترعرع الفساد وعظم الظلم وتم استدعاء عوامل الأفول والانهيار ومن هنا ينبغي الحرص على ايجاد مسؤول المؤسسة الذي تسهل محاسبته وتسهل مراقبته وبغير ذلك لا مجال للتقدم ولا امل بالتغيير نحو الافضل مهما كانت درجات المدح والتمجيد.
الدستور