في خطاب سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دلالات وملامح واختزالات تفسر الهم الأردني وتشرح الحلم بذات الوقت لضمير العالم الذي وصفه سموه بأنه يتخذ من الصمت وضعيته.
ومما انتهى إليه سموه في قوله " إما أن تروى الشجرة المثمرة أو يصب الزيت على النار المستعرة " واضعاً العالم أمام اختيار أي منهما يريد علينا أن نبدأ.
فسموه لخص الحالة الأردنية وكفاحها خاصة في العقدين الأخيرين حيث عانى الأردن من أزمات لم يكن له يد فيها بدءاً من غزة ومروراً بالعراق وسوريا واليمن وليبيا، وما أفضى إليه الواقع الأردني جراء التزامه بأخلاقيات وقيمٍ تأسس عليها رغم تغير العالم وانكماشه على ذاته.
فالأردن لوحده واجه أزماتٍ لا تنتهي، وتوقفت خطوط تجارته الى أوروبا عبر سوريا والعراق وازدادت الهموم على الهموم .. وكانت الفكرة الكبيرة للحسين التي طرقت أسماع الحضور ، وسط هذا كله ، ووسط السمعة الحسنة للأردن دولياً هل يكفي الكلام الطيب أو يرفد عجز موازنة بلدٍ تطلبون إليه أن يستمر بالقيام بدوره ؟
وهل الكلام الطيب والمديح للدور الأردني يمكنه من بناء المدارس وتقديم خدمات باتت تثقل كاهله إذ تستهلك أزمة اللجوء السوري لوحدها ربع موازنته.
وما بين القيم والدور استطاع الأردن أن يبقى "نموذجاً" ولكنه اليوم يطلب الفعل وهنا تكمن مفارقة الخطاب الأردني ، بأنه استطاع أن يجسر الهوة ما بين الانكماش على الذات واللامبالاة الدولية وما يجري حقاً على الأرض بتذكيره بأخلاقه وقيمه من نزاهة وصدق.
كما كان "الحلم الأردني" حاضراً في حديث سموه ، بحديثه عن الحلم بعالم تكون فيه البوصلة الأخلاقية ثابتة وسط التسارع التكنولوجي والثورة الصناعية الرابعة.
خطاب الأردن ، من خير ممثل له ولي عهده الشاب .. أجمل للعالم وذكره بمعانٍ وقيمٍ أصبحت قوىً عظمى تنظر إليها كنوع من الترف... ولكنه تذكير بالواجب تجاه بلدٍ استطاع أن يعبر الصدمات المتلاحقة ووضع تساؤل الأخلاق أمام العالم في حكاية الأردن وسر ثباته.. وحفاظه على شبابه رغم المحن المتوالية... فالأردن لا يشيخ إنما يزداد شباباً.