السؤال عن الحرية وأنواعها وسقوفها وأهدافها وكل ما يتعلق بها هو سؤال قديم ودائم الطرح، فهو باختصار سؤال "وجودي". لا أقصد هنا ارتباطه بالفلسفة الوجودية ورائدها "جان بول سارتر" فقط، بل بالوجود الإنساني برمته وكل ما نتج عنه من أفعال وحضارة، وظلم وتمدن وتخلف وتدين، باختصار إنه السؤال الأخطر والأكثر تعقيداً في حياة البشر والذي مازال يستهلك من البشر والبشرية جل جهدهما الفكري والعقلي وبدرجة تتفوق على العقل العلمي التطبيقي الذي أوصل البشرية إلى حالات من التقدم العلمي لم يكن يتخيلها العقل البشري قبل سنوات قليلة، فيما السؤال الوجودي بشأن حرية الإنسان وحدودها وآفاقها مازال يشكل تحدياً مفصلياً لمسيرة الحضارة البشرية وتطورها.
عندما نقول "الحرية" ونطالب بها، نكون قد طالبنا بآدميتنا التي لا تتحقق إلا بممارستها في إطار مجتمع بغض النظر عن طبيعته وظروف تكوينه وتشكله، فالإنسان عبارة عن "حيوان اجتماعي" حسب نظرية أرسطو الذي يعتقد أن طبيعة الإنسان لا يمكن أن تكتمل إلا من خلال انتمائه للمجتمع، ولذلك فالطبيعة هي غاية كل الأشياء والكائنات، وأن الإنسان هو حيوان سياسي ومدني بطبعه وأن قدره العيش داخل المجتمع.
ومن هنا، فإن الحرية الاجتماعية تشكل بالنسبة لأي إنسان في أي مجتمع أولوية قصوى، بغض النظر عن مدى إدراك هذا الإنسان أو وعيه لماهية الحرية التي يريدها أو الهدف منها، فالإنسان رغم ارتباطه بالمجتمع إلا أنه يتوق نحو حريته الشخصية داخل هذا المجتمع ويرفض وبقدر درجة وعيه "قسرية" أو "استبداد المجتمع" لحريته .
فالتوافق المجتمعي على مجاميع القيم والمسلكيات التي تتحول لعادات وتقاليد كانت ومازالت مسألة متغيرة ومتحولة وكان الإنسان "الحر" أو الطامح لحريته الاجتماعية لا يرى فيها إلا مجاميع من القيود التي يرفضها في داخله ويلتزم بها شكلياً مع قناعته بضرورة مقاومتها، ومن هنا وعلى مر الزمن ذابت الحرية الاجتماعية بالحرية السياسية ولكن هذا الذوبان لم يلغ القيمة الجوهرية للحرية الاجتماعية باعتبارها هي "أم الحريات" والتي كانت سبباً في تفجير العديد من الثورات عبر التاريخ، فأي نوع من التمييز أو الاضطهاد يبدأ بكل تأكيد اجتماعياً ويتحول إلى سياسي .
وفي فهم الحرية الاجتماعية علينا التأكيد أن بعض المجتمعات التي تزيف الحرية السياسية وتحديداً "الأوتوقراطية" وبخاصة تلك التي تحكم سياسياً باسم "الله و الدين" مثل إيران وغيرها من الأنظمة، تمارس عملياً إلغاء لإنسانية "الإنسان" واجتماعيته، وفي الوقت نفسه تضطهده سياسياً، وتصادر حريته تحت مبرر امتلاكها "العقل الشمولي" الذي يفكر عنه ويدافع عنه ويحميه على غرار كل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية في العالم .
ومن خلال رصد حركة التاريخ، نجد أن الحرية الاجتماعية وعبر التاريخ هي التي قادت الحرية السياسية، لذا فاني أعتقد جازماً أن حرية الاعتقاد وحرية المرأة هما من يقودان الحرية الاجتماعية إلى مواقع التغيير في المجتمعات، ويمكنني القول: عندما تزداد الحرية الاجتماعية وعلى رأسها حرية المرأة في أي مكان في العالم، نجد أن المجتمع هو مجتمع حر ومبدع وخلاق. وان لا حرية سياسية بدون حرية اجتماعية، أما "الديمقراطية" التي يعتبرها البعض "قمة الحرية" ممثلة بالصندوق وضمن قوانين محددة فهي نوع من تزييف إرادة الناس والجمهور من خلال الأنظمة والقوانين التي يمكن لأي سلطة أن تصيغها وفقاً لإرادتها.
استناداً على ما سبق، يمكنني القول إن المجتمع الذي تعتلي به المرأة وبشكل حقيقي وليس شكلياً أو ديكورياً المشهد بكل مكوناته هو مجتمع "حر" وبكل الأحوال الحرية مسألة نسبية.
المرأة وحريتها هي أساس الحرية وبخاصة المجتمعية منها وحرية المرأة التي لم يكبلها "الحجاب المجتمعي" هذه المرأة المتحررة من تلك الضغوط القاتلة هي بلا شك "هدى شعراوي"، وقبلها بـ 1221 عاماً، هي "رابعة العدوية " تلك الفتاة العراقية- البصراوية التي حاول الإخوان استثمار اسمها، والتي كانت مؤمنة بالدين ومتحررة من عقده الاجتماعية والسياسية، والتي كُفرت بسبب صوفيتها وقصائدها التي فسرها "الإخوان أنفسهم" بأنها شرك بالله، ولو كان تنظيم الإخوان دارساً لشخصية رابعة العدوية لما اعتبرها شعاراً لمقاومة النظام في مصر.
المرأة الحرة قادرة على قيادة المجتمع نحو الحرية!!
24: