مملكه دستوريه .. تطور مرفوض!
شحاده أبو بقر
22-01-2009 07:37 PM
تثيرنا جميعا الدعوة لمملكة دستورية في هذا الوقت بالذات ، ونرى فيها وبمنتهى الصراحة دعوة مجانية لان نتخلى طوعا عن هيكل دولة بناها الآباء والاجداد عبر عقود صعبة خلت بقيادة الهاشميين آل البيت ، لنجد انفسنا هكذا وبكل بساطة ودونما مقدمات امام واقع سياسي جديد يحكم حياتنا وينظم شؤوننا تماما كما لو كنّا مجرد جمعية او شركة او ما شابه !
مطلوب منا وفق رغبات اصحاب الدعوة الكرام ان ننسى او نتناسى عقودا من الانجاز والظلام والمعاناه ومقارعة الشر حتى انجزنا الدولة، وان نشطب من سيرتنا كل ذلك الذي مضى لنقفز الى نمط جديد من الحياة السياسية القابلة وببساطة الى ان تتغير وتتطور على مدار الساعة ربما وبالصورة التي تتفق ورؤى اي مجتهد كان لمجرد انه يرى ان من الانسب ان نحكم (بضم النون) بهذه الطريقة او تلك ، وان الامر لا يمنع ان نجرب فالتجربة خير برهان!
هذا كلام سهل في امر صعب جدا ، او هو حرث بدائي على دابة عرجاء في ارض صلده ، فالمملكة الاردنية الهاشمية او الدولة الاردنية لم تكن اصلا نتاج تجربة بل هي ثمرة ثورة بكل ما يعنيه المقام من معنى ، وهي ثورة قادها عربيا واسلاميا احفاد محمد صلى الله عليه وسلم ، وباركها احرار العرب جميعا وبالذات رجال الدين وزعماء القبائل والمفكرون وساسة ذاك العصر وثواره ، وكان الهدف الاعظم اقامة الخلافة الاسلامية بزعامة عربية بعد ان تفككت الامبراطورية العثمانية وجنحت نحو التتريك على اسس قومية غير عقدية !
هذا تاريخ يمكن ان نقول فيه كلاما كثيرا لا ينتهي حتى المساء ربما ، لكننا نختصر ونذهب مباشرة الى خلاصة الكلام ونقرر ان توافق الاردنيين ومنذ العشرينيات من القرن الماضي على اعتبار ان الملك الهاشمي خليفة غير مسمى وولي امر له الامر والطاعه... انما هو توافق ثابت دافع الاردنيون عنه بدمائهم وبصورة كرست منهجية الحكم الملكي الهاشمي باعتبارها حالة سياسية مستقرة في الوجدان الانساني الاردني الذي يرفض التنازل عن هذا الثابت حتى لو كلفه ذلك حياته ، وقد فعلوا وبلا تردد ابدا !
بمعنى ان الاردن بالذات مختلف عن سائر دول الارض ، فالحاكم هنا ملك هاشمي يمتد نسبه الى بيت النبوة المشرفه ولهذا خصوصياته وشروطه غير القابلة للنقض على نحو ما يمكن ان يكون في اي مجتمع اخر .
نفترض حسن النية ولا نجرم او نتهم احدا قط ، لكننا نطالب الكرام اصحاب الدعوة بالتعمق في قراءة المشهد السياسي الاردني الذي تمثله ضمائر الاردنيين جميعا من حد النهر الى حد الصحراء ، والوقوف طويلا امام الواقع الاجتماعي الاردني السائد بكل تفاصيله وهمومه، ليجدوا ان البساطه في طرح الدعوة التي ذهبوا اليها سيكون ثمنها باهظا جدا على البلد وتوازناته وحاضره ومستقبل الناس فيه .
ندعو الى تداول للسلطة على مستوى الحكومات لا الحكم ، شرط ضمان سيادة العرش والتاج في تقرير شأن الحكم وتجلياته وفق ما نص عليه الدستور من صلاحيات ممنوحة للملك رأس الدولة وراعي السلطات، ففي ذلك سلامة للنهج والمسيرة معا ، وفي ذلك ضمانة لحقوق الجميع ومصالح الجميع وحفظ للتوازنات بكل تفاصيلها ، وما عدا ذلك شر مستطير لا قدر الله وعلى الجميع بلا استثناء ، ففي المملكة الاردنية الهاشمية بالذات ، تصلح مقولة نعم لحزب الحكومة ولا للحزب الحاكم ، وعلى من يريد ان يتيقن ان يذهب ويسأل الناس وهم عماد الاصلاح والتغيير واهل القرار ، اما ركوب الرؤوس باسم الناس ودون سؤال الناس ، فنوع من النزق الذي يؤدي باهله الى التهلكة ولو بعد حين ، والله من وراء القصد .