شهدت الندوة التي نظمها مركز حماية وحرية الصحفيين, اول من امس (الثلاثاء) حول "الأغلبية البرلمانية والأقلية في مجلس النواب"، نقاشا ساخنا بين النواب انفسهم, تعدى في ابعاده عنوان الندوة, وتركز على استقلالية مجلس النواب, والتدخلات الخارجية في الشأن النيابي الداخلي.
صاعق التفجير كان عبارة وردت على لسان النائب ممدوح العبادي, الذي قال إن الاغلبية في مجلس النوابب "اغلبية قسرية". وذهب النائب مبارك ابو يامين ابعد من ذلك, ليعطي في تعقيبه على مداخلات المتحدثين, تفسيرا صريحا ومباشرا "للقسرية"، معتبرا ان "حكومة شارع الشعب" حيث مقر المخابرات العامة, كانت تتدخل في تفاصيل المشهد النيابي الداخلي.
اما دولة النائب عبدالرؤوف الروابدة "فبق البحصة" وقال بان تيار الأغلبية, جرى تجميعه بتدخل مباشر حتى قبل الانتخابات النيابية وتم توفير مظلة امنية له.
اما النائب احمد الصفدي الناشط القوي في كتلة الإخاء، فقد فاجأ الحضور بالقول: إن المظلة "الامنية" رفعت. نواب آخرون من تيار الاغلبية, رفضوا فكرة التدخل الأمني واتهموا زملاءهم, بانهم نجحوا في الانتخابات بفعل هذه التدخلات.
الباشا عبدالهادي المجالي الذي كان احد المتحدثين في الندوة لم يعلق على "الاتهامات" وابدى امتعاضه من شكل ومضمون النقاش.
سخونة الحوار وصراحته المتناهية, كانت لافتة للنظر, ومحفزة للاسئلة التي لا تنتهي عند حد معين.
هناك من فسر هذه الصراحة, على انها نتيجة التحرر من سطوة الادارة الامنية السابقة. وهناك من عزاها الى رغبة الادارة الامنية الجديدة برفع المظلة الامنية والكف عن التدخلات في الشأن النيابي الداخلي. وان نقد التجربة السابقة, لا يزعج الادارة الامنية الجديدة.
المرارة التي تحدث فيها النواب امام جمع من الصحافيين والمثقفين والنواب السابقين ودهشتهم, عكست امام الحضور وعدسات التصوير كم كانت ثقيلة وطأة التدخلات الامنية في الشأن النيابي الداخلي, والتي تجاوزت كل الحدود ونصبت مظلة امنية محكمة اثرت كثيراً على اداء المجلس واستقلاليته وسمعته عند المواطنين والرأي العام.
مداخلات النواب وهم الاقرب الى دائرة المجال الأمني تشي بأن سياسة (المظلة الأمنية) قد اصبحت من الماضي, وان مجلس النواب لن يتعرض الى ما تعرض له من تدخلات فجة وخشنة. وان المرحلة القادمة, ستشهد تحررا من الوصاية و(القسرية).
ومن المرجح ان تشهد الساحة النيابية حراكا قويا, قد يكون احد مظاهر عمليات فك وتركيب وانسحابات في البنى الكتلوية القائمة.
ويجد منافسو الاغلبية القسرية ان الفرصة مواتية لخلط الاوراق و(تهشيم) هذه الاغلبية وزحزحة اركانها. وقد بدأت فعلا عمليات جس للنبض و(التحرش) .
من غير المتوقع ان تنهار الاغلبية النيابية التي تشكلت من تحالف كتلتي التيار الوطني والإخاء. حتى لو حصلت انسحابات فردية, فلدى التحالف, فائض عددي يكفي للحفاظ على اغلبية مريحة. ولدى التحالف فرصة توسيع تحالفه مع الكتلة الوطنية (9 نواب) من خلال استيعابهم وهم الاقرب الى المجالي من غيره من الزعامات المنافسة.
اما الرافضون (للأغلبية القسرية ) فان امامهم فرصة اللقاء والعمل الجماعي المنظم, لتحقيق اهداف عامة, طالما تحدثوا فيها وحولها, اهمها الارتقاء في العمل البرلماني وتعزيز المكانة الدستورية لمجلس النواب ودوره المستقل في الرقابة والتشريع.
وهذا يتطلب ان تضع زعامات هذا التيار الاهداف الخاصة جانبا.
ليس بالضرورة ان ينقسم مجلس النواب الى (حلفين) متصارعين, فالخلافات بينهما ليست كبيرة ولا تستحق إشعال (الحروب) الدائمة (ورفض وقف اطلاق النار).
اما المواقع و(الغنائم) فيمكن اقتسامها على قاعدة التمثيل النسبي ولكل حسب وزنه وحجمه.
واظن ان غالبية كبيرة من مجلس النواب تتطلع الى (سلام دائم) وادارة جماعية كفؤة ومسؤولة, للمرحلة القادمة التي سيتعاظم فيها الدور السياسي للبرلمان, بسبب الظروف السياسية الخارجية والاخطار المحدقة على القضية الفلسطينية.
وكذلك بسبب (الفراغ السياسي ) الحاصل في الادارة السياسية للدولة, التي يتحمل عبئها جلالة الملك وحده, في انتظار التعديل على حكومة المهندس نادر الذهبي المنغمس في ملء الفراغات وسد الثغرات, لعل هذا التعديل يساعد الحكومة في المشاركة الحقيقية في حمل العبء السياسي الثقيل.
بسام حدادين