إرتدادات غزة .. و "رسائل" مكالمات أوباما
21-01-2009 10:31 PM
في أول مكالمة هاتفية له مع زعيم أجنبي، حسب ما نقل عن لسان الرئيس الأميركي الجديد "جدا" باراك حسين أوباما، أكد أوباما للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه سيعمل معه كـ "شريك" من اجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط دون إبطاء، وإذا ما كانت هذه حقا أول مكالمة من الرئيس اوباما الى زعيم أجنبي، فتلك تحمل دلالات جدا مهمة، أهمها ان الرجل، وفي اللحظة الاولى التي دخل فيها البيت الأبيض ولم "تسخن" كرسي الرئاسة تحته بعد، قرر الخوض بالصراع في الشرق الأوسط، وإن كان قد صمت فعلا إبان العدوان على غزة قبل توليه الرئاسة بأيام، لكن ما ما جرى بحد ذاته وتداعياته العربية والعالمية، دفعه ليخرج عن صمته وهو رئيسا فعليا لأميركا وليس منتخبا فقط كما كان حاله أيام العدوان.
المكالمة الثانية التي أجراها أوباما بعيد مكالمة عباس بلحظات، كانت مع جلالة الملك عبدالله الثاني، وكان عنوان البحث أيضا القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط، وفي هذا دلالة أخرى بأن أوباما يريد أن يمسك بخيوط المسألة وأن يتحرك بسرعة، ووجد في الأردن بالتأكيد "الخيط" الأهم لأي تحرك يخص قضية العرب المصيرية، فعمان الأقرب جغرافيا، وعمان "الأدرى" تاريخيا" وعمان "الاكثر" مصحلة في حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية دون البحث أو التصارع مع أي طرف على دور ما لأنها تريد الحل ولا تريد "الإعتراك" وهذا ما كان واضحا وجليا في خضم الإنقسام العربي القريب جدا حيث نأت عمان بنفسها عن حالة "كسر العظم" التي دخلت بها أقطاب عربية.
رسائل مهمة جدة حملتها مكالمة أوباما مع عباس، أولها ان الإدارة الأميركية الجديدة لا تعترف بتمثيل للفلسطينيين عبر أي فصيل سوى سلطة "رام الله"، وهذا يعني أن حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة أو في دمشق، ستحيّد في أي مفاوضات قادمة إلا إذا ما مثلت تحت "مظلة" السلطة الوطنية الفلسطينية، وفيما هذه رسالة الى حماس، فإنها رسالة الى إسرائيل ايضا بأن "قري عينا"، فلا اصول أوباما الإفريقية، ولا الكلام عن إسلاميته أو حتى ما جاء على لسانه في خطاب "التنصيب" حول علاقة أميركية جديدة مع العالم الإسلامي، تعني بأي حال من الأحوال علاقة جديدة مع حماس أو مع ما ماثلها من حركات إسلامية "متطرفة" حسب التصنيف الإسرائيل وما يردده المجتمع الدولي، غلا من رحم ربي.
أما الرسالة الأخرى، فهي ولا شك لعواصم أخرى لا سيما تلك التي دافعت عن "شرعية" حماس كونها جاءت الى الحكم بإفراز فلسطيني ديمقراطي "ظللته" الإنتخابات الفلسطينية، وعلى رأس هؤلاء تركيا التي كانت صاحبة الحراك الأكثر أهمية إبان العدوان على غزة، إضافة الى بعض "المتحمسين" الأوروبيين الذين "أومأوا" بضرورة الإنفتاح على حماس وكسر "الجليد" معها ومحاورتها، فالرسالة أن لا حوار سوى مع "سلطة" رام الله.
هذا الامر لم يبق طويلا في دائرة "التحليل" حيث أكد ما جاء على لسان رئيس وزراء إسرائيل أيهود أولمرت هذه الحقيقة، فالبيان الإسرائيلي الذ أعقب مكالمة أخرى أجراها أوباما مع تل أبيب، أشار الى أن أولمرت أعرب لأوباما عن أمنياته بأن تنجح الجهود الأميركية والأوروبية في وقف تدفق الأسلحة الى غزة، وهذا يؤكد أن أوباما أتى الى الحكم وهو مقتنع بأن من في غزة هم "إنقلابيون" ويهددون أمن "الجارة" إسرائيل وليسوا مقاومين ومدافعين عن حق.
المكالمة الأخرى التي أجراها أوباما كانت مع الرئيس المصري حسني مبارك، وإذا ما أمعنا النظر قليلا بما جرى خلال فترة العدوان، فإن مصر حاربت بكل ما أوتيت من قوة دفاعا عن دورها في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعن دورها في الأمساك بالملف الفلسطيني الداخلي، بل أن الرئيس مبارك نفسه طاله ما طاله لدرجة إتهامه "شعبيا" بأنه مشارك في العدوان من خلال إغلاق معبر رفح المتنفس الوحيد لغزة على العالم، بل أن السفارات المصرية في العالم العربي شهدت مظاهرات أمامها كتلك التي شهدتها سفارات إسرائيل، وفيما عمل العالم كله على وضع الملف الفلسطيني برمته في يد مصر "حصرا"، فإن أوباما أراد من خلال إتصاله بالرئيس مبارك تأكيد هذه الحقيقة، وهي رسالة أيضا لآخرين بأن لا منافس لـ "مصر" على هذا الدور.
مكالمات باراك أوباما هذه تؤكد في كل الأحوال على حقيقة واحدة هي أن "إرتدادات" العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كانت قوية جدا في البيت الأميركي "الأبيض"، وليس البعد العسكري وحده بالتأكيد ما كان على طاولة أوباما وهو يجري هذه المكالمات لا سيما مع الجانب العربي، فبالتأكيد أن "المخاض" العربي السياسي برمته كان أمامه بدءا من قمة "غزة" التي إنعقدت في الدوحة وما نتج عنها من قرارات على رأسها تجميد قطر وموريتانيا لعلاقاتهم مع إسرائيل و"تعليق" المبادرة العربية للسلام، وتفجر الوضع العربي على ضوء هذه القمة التي حضرتها دول إسلامية أهمها "إيران" الشيعية صاحبة "الملف النووي" وعقيدة "إزالة" إسرائيل عن الوجود، الى قمة شرم الشيخ التي دعت إليها القاهرة لبحث وضع غزة بحضور زعماء عرب وأجانب، مرورا بقمة مجلس التعاون الخليجي "الطارئة" التي دعا إليها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، إنتهاء بقمة الكويت التي حاولت ما إستطاعات "كبح" جماح الإنفجار العربي، لكنها لم تتمكن من إخفاء "الخلافات" رغم أنها أُفعمت في بداياتها بأجواء التصالح.
مستشارو أوباما قرأوا بكل تأكيد كل هذا، ووضعوه على طاولة أوباما، ثم نصحوه بإجراء المكالمات الهاتفية هذه والتي بينت منذ بداية "العهد" الأميركي الجديد أسس مهمة، بل ومهمة جدا، حول كيفية تعاطي الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة مع قضية الشرق الأوسط الأولى، والمهم، أن يفهم زعماء الأمة بعد أن حطت "قممهم" الرحال، مغزى ومضامين مكالمات "القمة" التي أجراها ساكن البيت الأبيض الجديد.
Nashat2000@hotmail.com