أسوأ ما في قصة «الإرهاب» ان معالجته تتم بالإرهاب، حيث أصبح هذا الشيء الأسود مبررا لسحق إرادة البشر وتعذيبهم، وتكميم أفواههم، وملاحقتهم حتى على أنفاسهم، وأحلامهم، وهواجسهم!
نقولها للمرة المليون أن الإرهاب ليس ظاهرة عربية ابتداء، وبالضرورة ليس إسلاميا، بل يمكن القول إن التاريخ البشري في معظمه قائم على سفك الدماء، والحروب، سواء كانت بين أبناء الشعب الواحد (الحروب الأهلية) أو بين شعب وشعب آخر، الإرهاب كمصطلح جديد تمت صناعته في مختبرات الاستعمار الجديد، لشيطنة المقاومة، أو أي نشاط مسلح لا يتفق ومصالح الدول الكبرى، وجرى تجريمه وفق القانون الدولي، الذي وضعه المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية، لديمومة سيطرتهم على العالم، الإرهاب في كنهه هو سلاح فعال لأي مجموعة مقاومة ضعيفة، وبسبب فاعليته شكل تهديدا مباشرا لدول تمارس الإرهاب الرسمي، لكنه لا يصنف تحت بند الإرهاب!
الإرهاب في العصر الحديث في منطقتنا تحديدا صناعة إسرائيلية، مارسته عصابات القتل اليهودية ضد قوات الانتداب في فلسطين، وضد أهل الأرض من الفلسطينيين، سواء كان على شكل قنابل تستهدف قتل الأبرياء تزرع في الأسواق أو المنشآت العامة، أو على شكل مجازر قتل أعمى لتحقيق أهداف معينة، كتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، المقاومة الفلسطينية لم تلجأ للعنف المسلح مثلا إلا بعد أن استقوت عليها قوات عسكرية لها اسم جيش مارست الإرهاب المنظم، عبر ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي، ومارسته فيما بعد قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، وكان ما سمي فيما بعد الإرهاب العربي أو الإسلامي أو ظاهرة الجهاديين رد فعل على إرهاب الدول الباغية.
معالجة الإرهاب لا تتم بمزيد من الإرهاب، وقد ثبت فشل التحالفات الدولية التي قامت لمحاربة ظاهرة الجهاديين، عبر إعلان الحرب على الإرهاب الذي ألحق بتنظيم القاعدة، واضطرت القوى الاستعمارية الحديثة غير مرة لمحاورة من كانت تسميهم الإرهابيين، كقوات طالبان مثلا، والتحالف الغربي الجديد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أو ما عرف باسم داعش، لن يتمكن من القضاء على هذه الظاهرة، فحل المنازعات حسبما تنص عليه القوانين الدولية التي وضعها المنتصرون أنفسهم يجب أن يتم بالحوار، فالقتل يجر قتلا، والإرهاب يجر إرهابا، الحل الأمثل لظاهرة الإرهاب، هو إشاعة العدل ورفع الظلم، والتوقف عن استغلال خيرات الشعوب، ونشر العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثورة على أبناء الأمة، وبغير هذا، فالظلم هو البيئة الحاضنة للعنف والإرهاب!
الإرهاب، صناعة إسرائيلية المنشأ، أمريكية التمويل، لقد حولوا العالم إلى مجزرة مفتوحة، قبل جرائم إسرائيل وأمريكا البشعة، لم يسمع العالم عن هذا النوع البشع من الموت، إنه موت أعمى، يصدر عن ذهنية إجرامية، ولدت ذهنيات تفننت في القتل، وقطع الرؤوس والأطراف، جاءت رد فعل طبيعيا على نمط الموت الأعمى، إنها صناعة ممنهجة للارهاب والقتل البشع، الذي لا يفرق بين مقاتلين ومدنيين، ومن الطبيعي هنا أن تلجأ الضحية إلى تقليد القاتل في طريقة القتل، أملا في ردعه او إيلامه بالطريقة ذاتها التي يتعامل فيها مع ضحاياه.
براءة اختراع القتل الأعمى هي لليهود والأمريكان أولا، ومن سار على خطاهم، في البوسنة والهرسك وكشمير، وتركستان الشرقية، وبورما، قبل أن ندين الارهاب على إطلاقه علينا أن نسأل من اين جاءت هذا الجرثومة الخبيثة، ومن يربيها ويكاثرها في الدفيئات، ومختبرات الموت، ويرويها بنسغ الحياة المستخلص من دم أطفال العرب والمسلمين والمستضعفين في الأرض، ندين القتل الأعمى ويقشعر بدننا لرؤية القتلى أشلاء، ولكن لنسأل أولا من صاحب اختراع هذا النمط من السلوك الهمجي المجرم؟!!
الدستور