«الرجال المحظوظون « على أكثر من مستوى تراهم حاضرين بقوة. تجليات وجودهم ليست مرهونة بالخبرة والمؤهل والتجربة والتحصيل العلمي والتنافس العادل، مجموعات تربت في اجهزة ومؤسسات السلطة ليكونوا اسمنتها وحديدها.
تراهم في كل الامكنة دون استثناء، يتسلقون ببراعة وهمة عالية ويشحذون مهاراتهم في الحيل والخدع ليصلوا الى أي موقع ويمسكون بالكراسي بانيابهم. هي طبقة وشريحة يمكن القول إنها تسيطر على الاردن، وكما لا يخفي على أحد، وإن تضخمت الحيرة في فهم ما يجرى في البلاد خلال العقود الماضية، فلا تحتر إن رأيتهم بأي موقع سلطوي رفيع» المحال والمقام «.
من يتأمل بحزن وغضب في الاوضاع الجارية في البلاد تصيبه نوبة حنين غير متقطعة الى ازمان اخرى، كانت تعيش فيها شرائح اجتماعية اردنية دون سيطرة فهلوة المحظوظين، ودون ان يتمكنوا من بث سموم عواطفهم ليسطيروا على المجال العام، وليتحول وجودهم الملتصق في السلطة ومؤسساتها من سياسية واقتصادية وادارية على عاتقها يقع الرهان على المستقبل.
هم أسياد المرحلة الراهنة يلقون بظلالهم على كل المجالات العامة، حتى الزمن فانه اصيب بالتكرار الابدي، زمن لا ينتهي بتأبيدة تكرار الوجوه، وهي ذاتها تعيش بذات الافكار والشعارات، ولا أحد منهم طبعا يملك القدرة على رفع الوسادة من تحت رأسه ليحرك مستنقعات راكدة في البلاد، وفي لحظة أكثر ما ينمو بها لعبة تصفية الحسابات.
وكل ما نرى من عروض في «البترينه « هو خلاصة لعقود من محاولة الاردنيين بناء دولة حديثة بأيد اردنية، وهي نتاج محاولة الخروج من محنة «الدولة الرعوية»، ولكنها انتهت الى محنة أكبر بكثير وأصعب اذا ما فكرنا باتزان ومسؤولية في حل ازماتها.
هؤلاء المحظوظون وقد أدوا ما عليهم تسببوا باصابة البلاد بامراض عقيمة، وما قد وصل اليه الاردن الان، حقبة من صناعة فهلوة وبلاهة محظوظين مصابين بالذعر والانانية وأكثر ما يهوون القفز والتسلق فوق كل الجسور لكي لا يصلها احد بعدهم، وعندما يصل فاكثر ما يشغله هو تقطيع الطرق على الاخرين.
بالفعل ما نعيشه الان هو نتيجة طبيعية للسير عكس الزمن وبقدم واحدة وعكس مجرى التاريخ، وأكثر ما تلامس عند استشعار الزمن الرجوع للخلف، وعند تلامس الرؤوس والعقول فكأنها تعيش في» ثلاجات الموتى وغرف التبريد «، ولربما أن هذا واحد من أسباب تفسير حالة العطل والعطب التي تصيب عقل الدولة الاردنية، فدعونا نتأمل أكثر حكايا « السلطة ومحظوظيها « وما يختفي خلف الواجهات والحواجز من اسرار وحجايا وألغاز.
الدستور