دروس مستفادة من حفل بوتشيلي
20-09-2017 12:29 PM
ليس سهلاً تنظيم حفل فني بحجم الحفل الذي احتضنته جرش الأردنية، في أداء المغني العالمي أندريا بوتشيلي على مسرح المدينة الخالدة، وبحضور رسمي وشعبي كبير. فما هي الدروس والعبر من حفل كهذا؟
أولاً: الأردن بلد الأمن والاستقرار، وليس بمستطاع دولة تفتقر إلى ذلك بأن تنظم حفلات فنية كالتي جرت في بلدنا الحبيب طوال صيف هذا العام، فمن مهرجان جرش إلى الفحيص، إلى حفلات التخريج والأعراس، والانتخابات، فضلا عن العطلة الصيفية للمدارس واعادة فتحها في وقتها، وفي ذلك دلالة واضحة على أن هذا البلد آمن ومستقر، بفضل قيادته الحكيمة وشعبه الواعي وأجهزته الأمنية الساهرة. واليوم يأتي حفل بوتشيلي في مدينة التاريخ «جراسا» تأكيدا على هذه الحقيقة الأمنية التي نطلب لها من االله الديمومة والاستمرارية.
ثانياً: ان وجود شخصية فنية عملاقة ومخضرمة مثل أندريا بوتشيلي، وهو من أهم الأصوات التي أنجبتها البشرية في تاريخها، يدل على احترامنا للفن الراقي والكلاسيكي الذي يتقنه الضيف الضرير ببصره وليس ببصيرته ويؤلف ويلحن في عبق الموسيقى الخالدة وروحها ووجدانها. أما الفنون التي تصعد بسرعة وتهبط بسرعة أكبر فهي أشباه فنون، وما نريده هو تمتين ما لدينا من مدارس وكليات موسيقية، لكي نحصل على ثقافة موسيقية عالمية وليس الاكتفاء بالموسيقى الخالية من الرقي والارتقاء على سلم الفنون الخالدة. ومن الضروري التأكيد على اغناء اوقات فراغ شبابنا بما يفيد ويغني، وبالاخص في الفن والموسيقى، لأنّ في ذلك–ان أردنا «تسييس» الامور–أفضل الطرق وأنجعها لمكافحة افكار التطرّف والاقصاء والتعصّب بأشكاله وألوانه.
ثالثاً: دلّ نجاح الحفل الكبير على تناغم وتعاون كبيرين بين القطاع الخاص والعام، فيد واحدة لا تصفق، واستخدام مكان تاريخي أثري هام، يحتّم هذا التعاون، لاسيما وان الحفل الراقي يليق بالمكان التاريخي. وهنا كلمة تقدير لأصدقاء مهرجانات الأردن، على الخروج من المألوف وتنظيم حفل لا نتردّد بأن نصفه بالعالمية. ونجدّد هنا الدعوة بضرورة تمتين التعاون بين الأطياف والفاعليات المؤثرة في القطاع السياحي الحيوي الهام، فهو لا يكتمل الا بالتآلف والتكاتف بينها مجتمعة.
رابعاً: لا يمكن أن تفوت علينا هذه الفرصة، دون التركيز على دور هذه الاحتفالات بالترويج السياحي لبلدنا الغني بالموارد والأماكن الدينية السياحية. ورغم قصر الوقت الذي أمضاه الضيف بوتشيلي لدينا، لكنه ترافق مع وزيرة السياحة والسفارة البابوية والكاريتاس الاردنية، وحج إلى المغطس معتمداً بالمياه المقدسة وحاصلاً على شهادة التبرّك بمياه نهر الاردن وأخذ منها تذكاراً. هذا فضلأً عن اختيار المكان (ساحة الأعمدة في جرش) لحفله الفني، ممّا يشكل بحدّ ذاته دعوة للعالم لزيارة الأردن. لكن علينا أن نستثمر هذه الزيارة وغيرها: فبلدنا زاره أربعة بابوات والأم تريزا وعمالقة الفكر والفن والتكنولوجيا والحاصلون على جائزة نوبل وسياسيون وغيرهم. فهل نحن مستغلون لهذه الزيارات
من أجل الترويج السياحي؟
خامساً وأخيراً، لم يكن الحفل الفريد إيطالياً وأجنبياً بل كانت هنالك مشاركات أردنية بارزة، وتمثلت في أداء مغنية السوبرانو ديما كريم بواب، وجوقة «ينبوع المحبة» التي صعدت منذ أكثر من عشر سنوات على سلم العالمية والتفوق، وأوركسترا المعهد الوطني للموسيقى إلى جانب العديد من العازفين والفنانين العالميين. وقد دلّ هذا الأداء على أنّ لدينا من المواهب ما يستحق أن نقدّره وأن نعتني بنموّه وازدهاره. بدون شك، عاد الحضور من جرش فخورين بالأردن وانجازاته وتقديره للفن العالمي الراقي .