عندما تعلن وزارة الزراعة على رؤوس الأشهاد أنها تدرس استقدام عمالة أجنبية لزيادة الإنتاج الزراعي وتلبية الحاجة التي نشأت بعد إعادة فتح السوق العراقية أمام الصادرات الأردنية، فإن كل حديثنا عن مواجهة البطالة وارتياد آفاق جديدة لتشغيل الشباب وإنهاء ثقافة العيب يصبح عديم الجدوى ولاقيمة له على أرض الواقع.
إن أحدا لايلوم وزارة الزراعة على اجتهادها في هذا المجال، ولابد أنها وجدت نفسها في وضع لايحتمل انتظار تصحيح منظومة القيم التي تشوهت، فالسوق التي كانت مغلقة فتحت، وهي في حاجة إلى كميات كبيرة لايمكن أن يلبيها الحجم الحالي للإنتاج الزراعي، وكان لابد من زيادة هذا الإنتاج خلال أيام أو أسابيع، ولايمكن أن يحدث ذلك إلا باستقدام عمالة أجنبية جاهزة ومدربة وتستطيع أن تباشر العمل والإنتاج فورا.
ولكن هذا التصريح المنسوب لوزارة الزراعة يفتح الشهية للحديث عن نظرتنا للعمل، فالعمل الذي يحلم به قطاع واسع منا هو ذلك الذي لايتسبب في وصول الغبار – حتى الغبار- إلى أيدينا ولايؤدي إلى تشقق الأيدى أوتقرح الأقدام. فنحن نريد عملا مكتبيا تبقى معه قمصاننا منشأة بيضاء، ويفضل ألا يكون ثمة مراقبة على الدوام أومواعيد للحضور أوساعات محددة للمغادرة وسائر « التدخلات « غير المستحبة من قبل المدراء ومراقبي الدوام ! إننا نعلم جميعا بوجود «تشوه خلقي» في واقعنا الوظيفي أو التشغيلي، فنحن نشكو من البطالة وعدم وجود فرص عمل، ولكن العمالة الوافدة تكاد
تسد علينا الأفق لكثرتها وإنتشارها في كل القطاعات.
وتقول الإحصاءات مثلا أن عدد الشباب العاطلين عن العمل في إحدى بلداتنا الزراعية هو 40 ألف شاب، بينما تقول إحصائية أخرى أن عدد العمال الوافدين العاملين في الأراضي الزراعية حول تلك البلدة هو 40 ألف عامل وافد!
ولايحتاج المرء إلى عبقرية إستثنائية ليرى أن الحل الجذري لعلاج مشكلة البطالة يكمن في إحلال شبابنا العاطلين عن العمل مكان العمال الوافدين !! ولسنا بالطبع من السذاجة لنعتقد للحظة أن هذا الحل ممكن التطبيق فورا قبل إتخاذ خطوات جذرية في التعليم وفي منظومة القيم وفي النظرة إلى العمل بشكل عام.
وقد تكون وزارة الزراعة قد أسهمت بتصريحها المشار إليه أنفا–من حيث لاتقصد- في تاطير الأزمة إلى تواجهنا في نظرتنا الملتبسة إلى العمل، والتي لا تمجده كقيمة ولا تعتبره شرفا لمن يقوم به، بغض النظر عن طبيعته، ولاتنطلق من حقيقة أن من يكسب قوته من عرق حبينه يعد شخصا مبجلا مهما كان عمله.
لقد تجذرت هذه النظرة الشوهاء للعمل رغم أن إرثنا الثقافي زاخر بتمجيد قيمة العمل من حيث هو عمل، ويردد شبابنا كل تلك المقولات الجميلة صباح مساء ولكن تطبيقها على صعيد الواقع منعدم تماما.
في المقابل، فإننا نجد أن بلدانا مثل اليابان أو كوريا الجنوبية أو غيرها تكاد تخلو من أية عمالة وافدة على الإطلاق، وأن أبناء تلك الدول وبناتها يقومون بكل الأعمال بدون إستثناء.
الراي