ارتدادات الحرب على غزة ، اردنيا ، وعربيا ، متنوعة وليست سهلة ، واذا كانت حركة حماس هي التي حاربت ، ميدانيا ، بشبابها ، في غزة ، تحت القصف ، فان هناك من يريد قطف الثمن ، في دول الجوار ، سياسيا.
اردنيا ، ارتفعت شعبية حركة الاخوان المسلمين ، في الاردن ، الى درجة كبيرة ، ورايات الاخوان المسلمين التي ارتفعت في عمان ، والمحافظات ، من جانب المنتسبين ، وغير المنتسبين ، تؤشر على ان الاخوان المسلمين استعادوا اضعاف المساحة التي كانت لهم ، قبل ان تستهدفهم حكومة الدكتور معروف البخيت ، قبيل الانتخابات البلدية والنيابية ، وهذه المساحة الجديدة ، سوف تضغط على عصب الاسلاميين في الاردن ، لتحويلها ، من مساحة وجدانية ، الى مساحة عملية ، على اكثر من مستوى.
الحرب على الارهاب ، وثقافة الحرب على الارهاب ، منذ عام 2001 ، اثر سقوط البرجين الشهيرين ، ومحاربة التيارات التكفيرية والمتطرفة ، والمتشددين ، تعرضت كذلك الى نكسة كبيرة ، فكل المسوغات التي قيلت لتبرير الحرب على الارهاب ، سقطت ، بفعل الحرب على غزة ، وستنمو التيارات المتطرفة ، لمواجهه الشعور بالظلم ، الذي تسببت به الحرب على غزة ، وقد رأينا من يرفع صور اسامة بن لادن والزرقاوي ، ومن يطالب بمطالبات ، لم نسمعها خلال السنوات القليلة الماضية ، وهذا يعني ان ارتدادات الحرب على غزة ، ستبدأ بالتشكل اردنيا وعربيا ، بأشكال مختلفة ، في ظل الثقافة التي تقول ان كل شيء معاد للعرب وللاسلام ولفلسطين ، مما يعني اننا سنشهد خلطا فكريا وعمليا ، بين كل الاطراف والاهداف.
في الوقت ذاته خرجت شخصيات اسلامية ، امس الاول ، لتقول انها تريد انتخابات نيابية مبكرة ، وخرج اخرون يقولون انهم يريدون ، اجراء تعديلات على الدستور ، وخرج فريق اخر يطالب بعقد اجتماعي جديد ، وسيخرج اخرون ليطالبوا بطلبات اخرى ، والواضح ان الناس تقتل في غزة ، وفي الاردن هناك من يريد قطف البرتقال ، من الشجر الغزي ، تحت عناوين مختلفة ، ولاعتبارات سياسية محلية بحتة.
كيف سيتعامل "العقل الاستراتيجي"للدولة ، مع شعبية الاخوان المسلمين ، ومع شعبية حماس ، ومع شعبية كل الحركات الاسلامية ، وكيف سيتعامل هذا العقل مع التيارات المتشددة ومع التطرف في بعض صوره التي لايقبلها المعتدلون؟ هل ستكون هناك مرحلة تأمل لهذه الارتدادات ، ام ان هناك من سيضع دراسة للكلف والتأثيرات الحالية والمستقبلية ، وهل ستقوم الحركة الاسلامية بالتراجع الى مساحتها قبيل قصة غزة ، ام انها ستكون حريصة على الاستفادة من حالة التمدد والتي للمفارقة سمحت بها الدولة في احد اوجهها ، هل سنشهد عودة قوية لتيارات متطرفة ، ام ان الاردن سيبقى بعيدا عن هذه التداعيات ، هل سيستقبل الاردن قادة حماس ، ام سينقطع الاتصال بهم كليا ، ام ان الاتصالات ستبقى معلقة مابين الامني والسياسي؟
لا نحرض على احد ، لكن مرحلة مابعد غزة ، اردنيا ، مرحلة هامة جدا ، والاردن ليس معنيا بالاساءة الى حركة حماس ولا..الى الاخوان المسلمين ، لكنه معني بالتأكيد ان يعود كل شخص وكل جهة وكل طرف الى مقعده ، لاعتبارات تتعلق بالداخل الاردني الذي يتوجب التعامل معه باعتباره الاهم ، وانه وطن وليس مجرد "ساحة" تنظيمية ، ولربما الدولة التي منحت كل مساحات التعبير لكل هذه القوى معنية بأمرين فقط ، الاول ان تتفهم حركة منظمة مثل الاخوان المسلمين ، الظروف وان لاتطلق مؤشرات على تمدد سياسي على الارض ، ينادد الدولة ، والثاني ان يتم منع اي مؤشرات على التطرف والتشدد ، وهي مؤشرات لايقبلها احد ، خصوصا ان الذين كانوا يصفقون لها ، تراجعوا بعد تفجيرات عمان ، لاعتبارات كثيرة ، في حين ان المرجل الذي يغلي في الاقليم بات يبرر حرق كل شيء ، بطريقة غير مدروسة ولا راشدة.
اذا كان الاخوان المسلمون يمتلكون ذات "الذكاء" التاريخي فسوف تهدأ ماكينتهم خلال الفترة المقبلة ، وسوف يطلقون مؤشرات تؤكد انهم لايبحثون عن "برتقال محلي" من الشجرة التي سقاها اهل غزة بدمائهم ، وبغير ذلك سيفتحون الباب لمراجعات شاملة تنال العلاقة معهم ، في ظل ضغط الاطراف الاخرى غير المنضبطة ، وغير المعروفة ، احيانا ، للمتشددين على "امن الدولة" وهي الاطراف الاخطر التي بحاجة الى تنبه ، خصوصا ، اذا اعفى الاخوان المسلمون الدولة من عبء الشك والتشكك.
m.tair@addustour.com.jo