أيًّا كانت نتائج مساعي الاكراد في شمال العراق، للانفصال عن العراق، وتأسيس دولة كردية، فإن كل الدعوات لإجراء استفتاء في الخامس والعشرين هذا الشهر- مالم يتم التراجع عنها- وهو امر محتمل، تكشف توظيفات دولية وإقليمية خطيرة، لملف الاكراد، تستثمر في نزعاتهم الانفصالية، لغايات إقليمية.
لابد ان نؤشر هنا الى عدة حقائق، اذ ان ابرز الأطراف المتضررة، من الدعوات للانفصال، ايران وتركيا وسوريا، ولربما يتورط الاكراد هنا، في شمال العراق في لعبة، تتجاوز بكثير، تحقيق امنيات وطنية، بتأسيس دولة كردية، التي باتت فزاعة بيد جهات دولية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما.
واشنطن تشن حربا على ايران، والمؤكد ان الولايات المتحدة، برغم إعلانها، انها لا ترحب باستفتاء للاكراد من اجل الانفصال، خشية التأثير على حرب داعش، الا ان واشنطن، تريد من الاكراد فعليا، التصعيد، في دعواتهم الانفصالية، من اجل اثارة ذعر الإيرانيين، لسبيين، الأول تحريك المجموعات الكردية الإيرانية، باتجاه مشروع الاكراد الاكبر، بما يهدد ايران، والثاني، يتعلق بفتح جبهة حرب جديدة، لحكومة بغداد المدعومة من ايران، بعد ان باتت على مشارف الانتهاء من ملف داعش، وهنا بالتحديد، تريد واشنطن، التسخين لمعركة جديدة، تستهدف ايران في المحصلة، عبر جسر الاكراد، والمواجهة بينهم وبين حكومة بغداد، إضافة الى العامل التقليدي الذي يتم الحديث عنه، إعادة رسم خرائط المنطقة، بشكل جديد، على أساس عرقي وديني، فالغاية ارهاق ايران نهاية المطاف، عبر هذه الدعوات، ونتائجها.
ذات النظرية تنطبق بشكل او آخر، على الاتراك، اذ تريد واشنطن أيضا، اضعاف انقرة الرسمية، والتلويح لها، بمعركة محتملة على صعيد ملف الاكراد، وما يرتبط بتطلعاتهم في تركيا ذاتها، او حتى عبر العراق او سوريا، وفي السياسة، فإن من المحتمل الى حد كبير، ان تتلاعب واشنطن، بورقة الاكراد، لغايات الضغط الإقليمي، على جوار العراق، وذات العراق، بقدر اكبر بكثير، من رغبة واشنطن بتحقيق انفصال كلي، في الوقت الحالي، دون ان ينفي ذلك، دعم الانفصال في توقيت لاحق.
هذا يعني ان المنطقة تخضع لتوظيفات متوازية، ومتناقضة أحيانا، ولربما قيادات الاكراد تدرك اللعبة، وتتورط فيها برضاها، من حيث الدور الوظيفي، ولا تمانع في ذلك مرحليا، باعتبار ان تحويل ملف الاكراد، الى ملف يهدد الحكومة العراقية، والنظام الإيراني، وانقرة أيضا، امر مقبول، لكن الغاية النهائية منه، تحقيق تطلعات الاكراد الذين يريدون تحويل حكمهم الذاتي، الى دولة كاملة، بما يؤدي الى تقسيم العراق فعليا.
اليوم، يتحدث الاكراد عن وساطات دولية، لوقف الاستفتاء، مقابل حوارات معمقة مع بغداد الرسمية، وهناك إلماحات من جانب قيادات الاكراد، وتحديدا مسعود البارزاني، ان وقف الاستفتاء امر ممكن، وللوهلة الأولى، فإن الاكراد يبدون في صورة الذي يتراجع تكتيكيا امام الضغوطات الدولية، والإقليمية ، والعراقية التي تقف ضد الانفصال، لكن على الأرجح، ان التراجع تكتيكي، وفقا لتوظيفات واشنطن، بشأن ملف الاكراد، كأداة ضغط على ايران وتركيا وسوريا والحكومة العراقية، وهي لعبة ملتبسة الى حد كبير.
في كل الحالات، فإن انفصال الاكراد متحقق فعليا، بكل هذا الموروث من العداء التاريخي، وما أسس له الاكراد، ما بعد عام 2003، وهي بنية لا يمكن الا ان تعني أمرا واحدا، أي انفصال الاكراد، سيكون أمرا محققا نهاية المطاف، لكنه تكتيكيا سيحقق غايات كثيرة، كما نرى هذه الأيام، واستراتيجيا، سيكون له غايات أخرى، وبينهما، تزداد هشاشة المنطقة، وتتعمق النهايات الغامضة.
الدستور