انتبهوا : هذه التحولات خطيرة .. !
حسين الرواشدة
18-09-2017 12:31 AM
حين يتحرك الجسد بمعزل عن الرأس ارجو ان ننتبه، حدث ذلك في غمرة الربيع العربي حين نزلت الجماهير للميادين بلا “نخب” قيادية، آنذاك انتهى المشهد الى ما نراه اليوم من فوضى وارتباك وتعسر (اجهاض :ادق) لمشروع النغيير والاصلاح، وبدل ان تنفتح القنوات لتصريف المياه الراكدة وتنظيف الواقع انفتحت شلالات الدماء فغمرت الواقع، وربما المستقبل ايضا.
الآن يبدو ان المشهد يتكرر، فوسط الازمات السياسية والاقتصادية التي انفجرت وانعكست على سطوحنا الاجتماعية والنفسية ثمة اصوات ترتفع للمطالبه بحقوقها : بعضها نسمعه وبعضها نحاول ان لا نسمعه، لكنها تشير في المجمل الى حالة من “التمرد” الاجتماعي لكسر حواجز وتابوهات كانت قائمة، او وصايات كدنا ان نصدق انها استقرت، او رفض اوامر ومقررات كانت بمثابة “خاوات “ تفرض دون ان يتحداها احد.
يمكن ان نفهم ذلك في سياق ارتدادات الزلزال الذي ضرب اعماق منطقتنا العربية، او في اطار الجولة الثانية لما حدث قبل ست سنوات، يمكن ايضا ان نسجل المسألة على قائمة “النوازل” والمستجدات التي اصابت المجتمعات العربية اثر “انسداد” ابواب السياسة وتعطل حركة عجلاتها مع عدم قدرة النظام السياسي العربي على استدراك سيرورة التاريخ بحلول ومعالجات حقيقية.
حين استقالت النخب من واجباتها واركنت الانظمة السياسية الى مالوفها،واستفردت بقراراتها، ودخل الآخر على خط التغيير لاجهاضه او توظيفه، انتبهت الشعوب العربية لما حصل، كان احساسها بالخيبة واضحا، لكن حساباتها تجاه اوطانها وخوفها على مستقبل ابنائها ولّد لديها حالة من الرفض والممانعة، فتعاملت مع “الطوفان” بمنطق الصبر والتحمل والعقلانية، وآثرت ان تعض على جراحاتها، فاصبح الامن عنوانا توافق عليه الجميع، وتراجعت للهامش مطالبات العدالة والحرية والمساواة، وكاد البعض يعتقد ان صفحة التاريخ طويت وان ما جرى لن يتكرر مرة اخرى.
لقد اخطأ هولاء بالطبع، فالنيران التي اشعلتها الشعوب والانفجارات التي قلبت الصورة، لم تكن صدفة، كما انها لم تكن مؤقتة وعابرة، لانها جزء من “ارادة” الشعوب، وجزء من حركة التاريخ ايضا.
لا بد اولا ان نعترف بذلك، ثم لا بد ثانيا ان ننتبه “للدبيب” الاجتماعي، او ربما الدخان الاجتماعي الذي بدأ يتصاعد، صحيح انه كان كامنا داخل الذات العربية وربما خرج من بعض المناطق وتأجل في اخرى، لكن الصحيح ايضا هو ان موعد انطلاقه من جديد بدأ فعل، المشكلة ليست هنا، وانما في مسألتين اثنتين : الاولى ان هذه الانطلاقة ربما ستكون مفاجئة وصادمة وعنيفة، كما انها ان جرت ستجري من خلال حركة الجسد(الناس) لوحدهم بمعزل عن الرأس ( النخب والقيادات التي تم اقصاؤها او تحييدها او شراؤها )، وبالتالي فان مسارها سيكون باتجاه الفوضى والتدمير الذاتي، تماما كما حدث لبعض بلداننا في السنوات الماضية.
المسالة الثانية هي ان بعض الانظمة السياسية لم تعد تضع حركة الشارع – حتى وان تنبأت بها – في حساباتها، كما ان ما يجري الحديث عنه من “صفقات كبرى” لاعادة ترتيب المنطقة اغفل (بتعمد ربما) دور الشعوب العربية في المشاركة او حتى التعبير عن مواقفها، مما ولّد نوعا من الرفض السياسي والنفسي لدى الناس ,,وفي ظل انسداد قنوات التواصل والثقة بين الحكومات والشعوب، وغياب الامل، اصبح الباب مفتوحا امام بروزظاهرة “ الانتقام “: انتقام الكل من الكل ـ وهي ظاهرة خطيرة بلا شك.
في موازاة ذلك اسهمت حالة الانكشاف العام للمشهد السياسي العربي، وخاصة في علاقة السياسي مع الداخل الوطني و الاخر الاجنبي، بانتاج معادلة صفرية تقوم على اساس احساس الناس بالخسارة، وعدم اليقين والخوف من المستقبل والنقمة على الواقع، كان الاقتصاد المتردي هنا مجرد صاعق اشعل لدى هؤلاء اسئلة حائرة حول الفقر والعوزمقابل الفساد والنهب، واستفهامات لا اجابات لها حول الاصلاح والتغيير، الامر الذي ادى الى قطع (كسر) حواجز الصمت والخوف وشيوع الانتقاد المرتفع السقوف، لا بل وتحدي القانون على مرأى من الجميع.
باختصار، التحولات التي تجري في مجتمعنا خطيرة، ولهذا لا بد ان نفتح عيوننا عليها لكي نواجهها بعقلانية وحكمة، ونتجاوزها بأقل ما يمكن من خسائر.
الدستور