حين تبلغ مجزرة كصبرا وشاتيلا الخامسة والثلاثين من عمرها، فهي ما تزال في عنفوانها؛ لأنها كما سماها محمود درويش فضيحة عصرنا حتى الابد .
المجازر لا تشيخ ولا يطويها النسيان؛ لأن لكل ضحية من ضحاياها سلالة لا تتوقف، فهي وشم في الذاكرة وجرح لا يندمل في الوجدان القومي، في تلك الظهيرة الحمراء جاء كاتب فرنسي الى بيروت اسمه جان جينيه وشهد عن كثب المجزرة كلها وعاد ليكتب انه كان يدافع عن القتلى ضد اعادة قتلهم ويطرد الذباب عن الدم !
اعرف ان التقاويم القومية للعرب كلها محجوزة لمناسبات تراجيدية منها مجازر وهزائم وانتحارات شبه جماعية، لكن صبرا وشاتيلا شيء آخر، لأن تلك المجزرة شهدت ذروة التواطؤ بين الغريب والغريم وبين الشقيق اللدود وعدوه الحميم، ورغم كل ما علق بتلك المجزرة من التباسات وما اعقبها من لجان تحقيق الا ان القبر الجماعي لم يقترب بعد من موعد قيامته ليشهد ويفضح ويثأر !
هناك مجازر عمرها الف عام لم يطوها النسيان والشعوب التي ابتليت بها حولتها الى ايقونات وسرديات قومية تتوارثها الاجيال، لكن المطلوب من العربي هو ان تنسخ كل مجزرة ما قبلها، لهذا تسعى استراتيجيات عديدة محلية واقليمية ودولية الى افقاد الذاكرة واصابتها بزهايمر سياسي وبائي، لكن العواصف تهب على غير ما يشتهي هؤلاء النائمون في قوارب من ورق، ومن لم يجد شيئا يطفو عليه وينجو من الغرق غير ما نزفه من دمه وتلقح ضدّ اللدغ من الجحور ذاتها، وحوّل اسباب الموت الى اسباب حياة واستولد من كل تابوت الف مهد ومهد !
خمسة وثلاثون عاما تكفي لأن تطرح شجرة الدم ثمارها وتسقط الاسنان اللبنية لطفل أخطأه الرصاص لتنبت له اسنان تقضم الصوان !
انها ليست مجرد ذكرى، وليست مناسبة في تقويم سقطت اوراقه، هي فصل تراجيدي حاسم في سردية قومية تنمو بمرور الزمن ولا يطويها النسيان!
الدستور