المواطن المتذمر أم المسؤول المقصر، من هو المسؤول؟
د. عادل محمد القطاونة
18-09-2017 12:06 AM
المواطن والمسؤول الحكومي، علاقة لطالما كانت متوترة على مر الايام وعبر السنوات ومن جيل الى جيل وحكومة الى حكومة، كان المواطن ولا زال يشعر بالغبن والظلم في معادلة الحكومة، بينما كانت الحكومات المتعاقبة ترى في برامجها حلولاً لمشاكل المواطن وأن البند الاول في سلم اولوياتها هو حياة المواطن وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي له، وما بين مطالب المواطن وادعاء الحكومة، يتساءل البعض عن حقيقة الفجوة ما بين المواطن والحكومة، ومن هو المقصر الحقيقي في معادلة وطنية معقدة، وهل بات المواطن كثير التذمر لا يقتنع في اي إنجاز حكومي مهما كانت أهميته على حياة المواطن، أم أن الحكومات لم تستطع من خلال برامجها وأفكارها في وضع المواطن في حقيقة الانجاز ومدى انعكاس ذلك على حياته المعيشية.
في صراع على تبادل الادوار والبعد عن حقيقة الأخبار، يتساءل البعض من هو المسؤول عن الملف الضريبي، هل هو المواطن المتهرب من ضريبة الدخل والذي اضاع على موازنة الدول مئات الملايين بسبب عدم دفعه للضريبة المستحقة على نشاطه؟ أم أن الحكومة لم تستطع وضع قانون ضريبي عصري عادل يجعل المواطن مقتنعاً في اداء واجبه الوطني في دفع الضريبة المستحقة عليه ايماناً منه بأن أحد اهداف النظام الضريبي هو اعادة توزيع الثروة بين المواطنين ؟ فمن هو المسؤول؟
يعتقد المواطن بأن المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية لا تلبي الحد الادنى من الخدمات الصحية فنقص في اطباء الاختصاص، نقص في بعض الادوية، تأخير في المواعيد، أزمة في أسرة المرضى، انعدام للنظافة في بعض المرافق ؟ في مقابل ذلك تعطي الحكومة جزءاً كبيراً من نفقاتها الجارية والرأسمالية على الملف الصحي كما هو الحال لملف التعليم، ويعتقد المسؤول أن المواطن لا يقدر الجهد المبذول والضغط الكبير على الاطباء والمراكز الطبية وأنه من الواجب عليه أن يتحلى بالصبر، وأن يساعد في بناء نظام صحي قوي عبر احترامه للمواعيد وتقيده بالتعليمات وعدم استغلاله للخدمات العامة لغايات خاصة، فمن هو المسؤول؟
التعليم والتعليم العالي، الملف المؤلم لدى أغلب العائلات، والملف المؤرق لدى كافة الحكومات والتساؤل المطروح: هل المواطن لا يرضى بإدخال ابناءه للمدارس الحكومية المجانية ويصر على ارسال ابناءه للمدارس الخاصة ذات الرسوم المرتفعة وبعد ذلك يتحدث عن صعوبة الحياة المعيشية؟ أم أن الحكومة لم تستطع أن توفر بيئة مدرسية حكومية تجعل من الأهل على قناعة تامة بأن ابنائهم في المكان الصحيح، وأن المدرسة الحكومية توفر كافة المتطلبات الكفيلة بتطوير مهاراتهم وقدراتهم وصولاً لتعليم حكومي يضاهي التعليم الخاص في جودة نظامه، فمن هو المسؤول؟ أما الجامعات الحكومية والخاصة فالمعادلة مقلوبة فالجامعات الحكومية ما زالت هي الخيار الافضل للمواطن، فما هذا التناقض؟ أم أن الحكومة عندما تريد دعم مؤسسة أو قطاع ما فان المواطن لا يتردد في أن يكون جزءاً من هذا النظام الصحي، فمن هو المسؤول؟
حدائق ومتنزهات، شوارع وأرصفة، أمن وأمان، وغيرها الكثير الكثير مما تقدمه الحكومة للمواطن وتنفق مقابل ذلك مئات الملايين، في مقابل ذلك يرى المواطن أن هذه الحدائق غير نظيفة والمتنزهات قديمة والشوارع غير نظيفة، كما بدى له أن ملف الأمن والأمان لا يلبي الطموح في كثير من الحالات مع ازدياد الحوادث المميتة وارتفاع عدد الجرائم وحالات السطو المسلح، في مقابل ذلك تسعى الحكومة في تحقيق أعلى درجات الجاهزية في الجانب الأمني والبيئي وتولي كافة الملفات ذات الصلة بالمواطن العناية الفائقة، ولكن المواطن يساهم في انخفاض النظافة وزيادة معدل الحوادث والجريمة، فمن هو المسؤول؟
أخيراً وليس آخراً وأياً كان المسؤول فان الخاسر الحقيقي هو الوطن، فالمواطن قد يصبح مسؤولاً، والمسؤول قد يصبح مواطناً، واذا صحت المعادلة فالمواطن مسؤول والمسؤول مواطن اذا كانت المصلحة العليا هي الوطن، والمطلوب في هذه المرحلة إيجاد علاقة تشاركية حقيقية يقدم فيها المواطن رأيه بحرية واقتدار في مواضيع تمس حياته اليومية وأن يكون لدى الحكومة القابلية على الانتقاد والخروج بإعلام حكومي محترف يخاطب العقل والمنطق وفق احصائيات ودلالات لا مزايدات ونفي للإشاعات وصولاً لقرار شعبي لا قرار حكومي يجعل من المواطن جزءاً أساسياً من عملية الاصلاح الشامل استناداً للغة الحوار وتقبل رأي الغالبية وفق فكري حضاري اساسه كرامة المواطنين وعدالة القوانين.
لندن / المملكة المتحدة