الانقلاب الحضاري وتبدُل الدول
اسامة احمد الازايدة
17-09-2017 03:21 PM
يزيد الحديث ولا ينقص اذا بحثنا بأسباب نهوض الحضارات واضمحلالها , فيتشعَب الامرُ بإتجاهات عديدة فنصل الى اسباب مختلفة جعلت بعض الحضارات تطُول اكثر من غيرها , الا ان معظم هذه الحضارات تبلغ الذروة في وقت طويل نسبياً لكنها تنهار بوقت قصير جداً نسبياً لنجد ان نسبة زمن صعودها للقمة يستغرق 90% من عمرها في حين انها تستغرق لبلوغ القاع زمن يقل عن 10% من عمرها وكأن مسألة الجاذبية ليست مسألة فيزيائية فحسب بل هي نظرية فكرية واجتماعية ايضاً ، و من التاريخ أمثلة عديدة كالحضارة العباسية و الحضارة الأندلسية و الحضارة السوفييتية و غيرها.
ويجد المرء خلال مقارناته - في التاريخ- ان الحضارات التي دامت طويلاً هي الحضارات التي لديها (قبول للآخر ولديها استقرار حضاري نسبي (دون قفزات فجائية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وبعكس عقارب الساعة) , وخير مثال لذلك : الحكم الملكي البريطاني - والذي لا يزال قائما مع اختلاف صلاحياته - خلافاً للحكم الفرنسي الذي حقق اندثاراً بوقتٍ قصيرٍ نسبياً , وكذلك خلافاً للحكم الشيوعي السوفييتي الذي سقط بتسارع بالغ لعدة اسباب مقابل تماسك القطب الشيوعي الآخر (الصين) و التي اصبحت اكبر دولة صناعية بكونها لم تغيِر ثوبها فجاة و بكونها نأت بنفسها عن التدخُل بغير شأنها .
كذلك فإن القارئ في التاريخ المعاصر يحق له ان يقارن بين الحكم الملكي المصري حين كان الجنيه يحلِق فوق 4 دولارات وبين حكم عبدالناصر الذي انخفض خلاله الجنيه الى 2.5 دولار في بضع سنوات ثم انحدر بعد استمرار حكم العسكر حتى اليوم الى 2% من قيمته زمن الحكم الملكي , ويحق للمقارن ان يربط بين وصول طموحات عبدالناصر الى الكونغو عام (1960) واليمن عام (1962) وبين استنزاف نصف احتياطي مصر من الذهب ذلك الاحتياطي الذي استغرق جمعه عقوداً من السنين و ما أدَى انهاك الجيش المصري قبل هزيمة 1967.
قراءة الحضارات وانقلاباتها في التاريخ مجدٍ بكونه درس لمن يقرأ , فيحق للمراقب ان يشعر بالقلق على السعودية الشقيقة الذي بلغت ذروة احتياطاتها المالية عام 2012 - بعد مسيرة 90 عام استغرقت في نصفها نصف عمر النفط الافتراضي - لتبدأ بعدها حقبة تسييل الاحتياطي النقدي لتغطية العجز , وبمعدل تفاوت بين 10-30% سنوياً منذ بداية (الأزمة السورية) و(الأزمة اليمنية ) .
أمام كل ذلك وبهذا التسارع الرهيب ؛ هل يجب علينا ان نعتقد ان بلاد الحرمين جادة بأن تقفز حضارياً بشكل مفاجئ من حضارة (اسلامية وهابية)تشكلت بموجبها مرحلة التكوين لجيل حالي و لأجيال سبقتهم - وبدون مرحلة انتقالية- الى (حضارة علمانية ) بما قد تحمل من مخاطر حضارية و فصام فكري و تربوي و اجتماعي , و ذلك كله بالتزامن مع نقل الحكم من جيل الابناء الى جيل الأحفاد ؟؟؟
المسألة اشبه بتغيير عنوانك مع بقاءك بنفس مكان سكنك .
جميع تجارب الانقلاب الحضاري السابقة تستحضر من الذهن القاعدة الفقهية المنطقية التي تقول : من استعجل الشيء قبل اوانه عوقب بحرمانه .