يتم سؤالي ما الذي جرى لنا؟ ولماذا ساء بنا الحال هكذا؟ فأرد وأقول لقد كنا أفقر في الماضي مما نحن عليه الآن على الرغم من المزايدات السياسية، ونحن نأكل اليوم احسن مما اكلنا في اي وقت على الرغم من كذبنا على انفسنا. صحتنا اليوم أحسن وأمراضنا اقل.
فما الذي جرى؟
وأستذكر مباشرة أننا كنا طوال حياة دولتنا نسمع بالجلوة، ونسمع بجرائم الشرف و مازلنا، فنحن لم نتغير هنا. كنا نضرب النساء وما زلنا، وكنا نضرب ابناءنا وما زلنا، وكنا نحرم شقيقاتنا الاناث من الميراث وما زلنا.
كان الفرق بين الآن وسابقا، ان القانون يطبق على الجميع دون هوادة، والناس يحسون بالعدالة. يحترمون كبيرهم، إن دخل قاموا له، وان تحدث سكتوا. لقد تساوى الصغير والكبير، المتعلم والجاهل، المحترم وسيئ الاخلاق. فانكفأ المخلصون احتراما لذاتهم وحتى لا يلقون ما يسيء لكرامتهم، وتركت الساحة لمرتفعي الصوت وضخام العضلات وصغيري العقول.
لقد ساد الحسد وترعرع، واخذ الجشع بالكثيرين يريدون ان يكبروا في يوم وليلة دون اي مجهود. كثرت الواسطة ووجدت من يطلبها ومن يعطيها، ففضلها الناس على التنافس لأنها لا تحمل صاحبها جهدا، فقط تحمله دناءة النفس وهو امر أصبح مقبولا.
تغيرنا بحيث أصبحت المرأة تذهب لترجو وزوجها ينتظرها في سيارة الاجرة.
دخل للجامعات اساتذة وطلبة ما كان يحق لهم الولوج من بوابتها لانهم ليسوا اهلا لذلك. اناس غير مؤهلين وغير مستعدين. فرخت جامعاتنا حملة دكتوراه من داخلها وعينتهم اعضاء هيئة تدريس فيها وهو غير جائز. أفرزنا مجالس نيابية لم تمارس ادوارها الرقابية فتركت الأمور دون حساب، بل شاركت في محاولة الحصول على المكاسب.
لم يعد هناك شيء مقدس او ممنوع. من كنت تستجير به وتلوذ بذيله وتستقوي به أصبح غير معني بواجبه وانهمك في الحصول على منفعة هنا او زيادة راتب هناك.
لقد سادت منظومة اخلاق جديدة، نتيجة الانفتاح الغير مسبوق عبر الاتصال ونتيجة التزاحم الاقتصادي، فأصبح ما كان مرفوضا عند الناس، أصبح مقبولا، ولم يعد هناك ضير من ممارسات كانت الناس تخجل منها. فانفلت الجمل من عقاله، لا رادع له، أصبح الخطأ صوابا، والسرقة شطارة، والأمانة هبلا، وتطبيق القانون تشددا لا لزوم له. أصبح مدير الشركة العامة يتصرف في أعطيات كأنها ورثة من أبيه، وأصبح الموظف العام يتحكم في المواطن كأنه خادم عنده وليس العكس.
وتسألني لماذا وصلنا لما نحن عليه؟ عليك بتفعيل القوانين وتطبيقها بعدالة على الجميع. الذي اخذ دون حق. والذي اعطى دون حق. والذي تجاوز، والذي افتأت دون حق. وعلى المفسد، ومعطل السير، ومغلق الطريق والذي انتحل صفة بغير حق. وعلى الذي قتل وأجرم بلا حق. وعلينا مكافأة الذي أبدع والذي تألق، ليس بالكلام المعسول وانما واقعا ملموسا. ويجب ان نمنع التافه والمدعي من الحصول على أي شيء، ويجب محاسبة الذي يستقوي على غيره، صاحب السطوة، فلا يجب مكافأته. يجب اعلان اسم الذي تخلف عن دفع فاتورته وحفر بئرا مخالفا وسرق الكهرباء، وذلك حتى يعرفه الناس ويعرفون حقيقته، حتى لا يستمروا مخدوعين بحقيقته. يجب الا نخجل من القول للمخطئ بخطئه، وللمخالف بمخالفته، وللمتجاوز بتجاوزه، وأن نطبق ذلك على أنفسنا أولا. وان نتخلى عن انفصام الشخصية التي نعيشها، والتي من خلالها يجوز لي ولا يجوز لغيري.