غير بعيد عن افتتاح مركز الحسين للسرطان بتوسعته الجديدة، عبر الملك في مقابلته مع وكالة الأنباء الاردنية عن مرحلة جديدة عنوانها الابتعاد عن الاتكاء على الدعم، والبدء بقبول الواقع. كلام جاء بعد ست سنوات عن انطلاقة الربيع العربي، الذي حمل الكثير من الجدل والمقولات والشعارات والذي شهده الأردن بكل سلام، وما زالت الأصوات في الأردن تطالب بالحريات ومكافحة الفساد والتمثيل السياسي والديمقراطية الناجزة.
لا دعم بعد اليوم، ولا مساعدات، خطاب يأتي في ظل ضائقة اقتصادية غير مسبوقة تشبه ما كان موجود عام 1989، آنذاك حدث الربيع الحقيقي الأردني وجاءت الديمقراطية ومرت البلد بسلاسة، ثم جاءت حرب الخليج الثانية، ليدفع الأردن ضريبة موقفه، الذي ظلّ العرب حتى اليوم يذكرونه، لكنه كان الموقف المستشرف للمنطقة، بمقولة الراحل الحسين :»ليبقى الحل عربيا وإن جاءت أمريكا لن تخرج» وهي مذ ذاك ما زالت ترهق العرب بالدفع لأجلها.
يُحاصر الأردن بعدها؛ ضريبة على موقفه، يستقبل أكبر هجراته التي ضخمت عدد السكان بشكل مضاعف، يخطب الراحل الحسين بعدها خطابه الشهير موجهاً عتبه ونقده للنظام العربي، يعبرُ البلد انتخاباته والمرحلة جديدة، وتبدأ آنذاك جامعة جديدة بالظهور هي جامعة آل البيت التي حمل اسمها رسالة ومضموناً مباشراً للعرب، وتقف دولة عربية حتى وقت قريب ضد الاعتراف بها. أمر ذكرّ بما جاءت به قمة الرياض التي افتتح بها الملك كلامه بالصلاة على النبي العربي الهاشمي. كلام لم يرق للبعض، لكن الأردن يتجاوز دوماً ويعود مليكه للشعب معلناً اليوم أن لا مساعدات، ولابدّ من الاعتماد على الذات.
اليوم يفتتح الملك عبدالله الثاني مركزاً حمل اسم والده، هو مركز يعالج العرب أكثر من الأردنيين، والتوسعة تمت بدعم عربي مشكور، من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وأطراف أخرى. قبل ذلك تطلب الحكومة جلب وليد الكردي بعد إشارة الملك لرئيس مجلس إدارة الفوسفات والحكومة أن لا كبير فوق القانون.
يُطلق الملك التوسعة، ويُلقي بكلامه بحوار عميق للصحافة، تالياً يغادر لقمة العالم، مقدماً نجله ولي العهد لكي يلقي كلمة الأردن. في رسالة لمعنى الاستقرار في الملك، وفي الداخل الوطني جدل وصراخ سياسي ونقد للحكومة ومطالبة برفض رفع الأسعار والضرائب، وجماعات تجتمع معارضة ثمّ نجدها آيبة في النهار التالي، وتبقى وجوه وطنية على موقفها الوطني، إذ إن المعارضة لا تعني الخيانة وليست ضد الحكم، وإنما لتصحيح مسار الحكومات، ولا يجب شيطنة كل من يخالف الحكومة واتهامه بالعمالة.
ينجز الأردن الكثير اليوم، تتفوق إحدى جامعاته الرصينة وتدخل القفص الذهبي ضمن الخمسمائة الأولى، تنجز الكثير من المشاريع ويبدأ الطريق الصحراوية بحلته الجديدة وتجرى انتخابات هي الأوسع تمثيلاً كما قال الملك. وخلال سنوات الربيع العربي ينجز مشروع الديسي ومستشفيات كبرى في البادية الشمالية وعجلون وإربد وغيرها من الخدمات.
يُذكرنا هذا الإنجاز بأن أكبر انجازات الوطن المبارك جاءت في أحلك الظروف، وللتذكير مدينة الحسين بنيت بعد ست سنوات على النكسة ومدينة الحسين للشباب والبنك المركزي والجمعية العلمية الملكية والجامعة الأردنية كلها مؤسسات دولة، اقيمت في ظروف صعبة وعلى أبواب النكسة.
لا يختصر الأردن اليوم بوضع حكومته الراهنة، ولا في قيمة ما لديه من احتياطي عمله، إنما بمخزونه البشري وإرادته الصلبة التي تجعل هذا البلد مباركاً، فيخرج ثمره طيباً وإن كانت الدنيا حولنا ضيقة، والعرب اليوم مثل عرب الأمس، وما زال الأردنيون أحرارا يأكلون السياسية أكلاً ويحبونها حباً جماً، وينتقدون الساسة وأهل الفساد، والدولة قارة ماضية إلى ما شاء الله. لكن سياتي يوما نحصد كل هذا الإنجاز وسيندم كثيرون ممن أشاحوا بوجههم عنا. لكن سيأتي عام يُغاث به الناس في بلدي.
الدستور