رغم أنه يفترض بالمعارضة أن تكون بالنسبة للحكومة مثل الفرامل بالنسبة للسيارة حتى تمنعها من التسبب بحوادث قد لا تحمد عقباها إلا أنني لعلني لا أخطئ القول إذا ما وصفت المعارضة بانها تكاد أن تكون قوى شد عكسي تتفنن في محاولة عرقلة وإعاقة أي تحرك للحكومة.
يتضح هذا من معظم لا بل غالبية ردود فعل المعارضين للتعديلات المزمعة على قانون ضريبة الدخل التي لم يتبين لنا بعد رأسها من أخمص قدميها! إذ لم تتضمن غالبية تلكم الردود أفكارا بديلة عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع تغني الحكومة عن إجراء أي تعديل على القانون.
لو أن بعض المعارضين اقترح على الحكومة على سبيل المثال لا الحصر أن تقوم بتحويل كافة المركبات الحكومية إلى مركبات "هايبرد"، وأن تحول كل المصابيح المستخدمة في كافة مبانيها إلى مصابيح توفير طاقة، لشاركنا اقتراحهم هذا "فيسبوكيا"، لكنهم ذهبوا إلى طرح افكار باتت شعارات رنانة لا تغني ولا تسمن من جوع مثل تحسين بيئة الأعمال وزيادة نسبة الناتج المحلي الإجمالي وجلب الاستثمارات ... إلخ. وهذه كلها أفكار سديدة لا يتناطح عليها عنزان لكنها ليست عملية في الظروف الحالية.
وقد أسهب الرئيس في شرح حيثيات معضلة إحدى تلك الأفكار، ألا وهي "جذب الاستثمارات" في حديثه مع برنامج "ستون دقيقة". لكن على ما يبدو أن معظم لا بل غالبية المعارضين تجاهلوا حديث الرئيس في هذا الأمر.
إلا أنه من الحق بمكان أن نقول بان مطالبة المعارضة للحكومة بأن ترفع الضريبة المفروضة على البنوك من 35% إلى 55% مثلا لا حصرا لا تخلو من صواب.
أما المؤيدون والمروجون للتعديلات فيفترض بهم أن يكونوا ذوي نظرة واقعية في تأييدهم، فهل من الإنصاف أن نروج لتلك التعديلات التي لم تتجلى بعد في صيغ نهائية لأن دولة مثل السعودية أكبر اقتصاد عربي فرضت ضريبة القيمة المضافة؟ وهل من المعقول أن نؤيد التعديلات لأن الإمارات ثاني أكبر اقتصاد عربي ترفع الدعم عن الوقود تدريجيا؟ لا أعتقد أنه أمر واقعي ومنطقي أن نقارن الأردن اقتصاديا بدولة مثل السعودية او الإمارات.
أنصح المؤيدين والمعارضين سواء بالاطلاع على الدراسة التي أجراها منتدى الاستراتيجيات الأردني التي جاءت على شكل ورقة سياسات بعنوان: "عن تحديات الاقتصاد الأردني: الحاجة إلى نظرة جديدة، لماذا وكيف؟".
ورغم أن الورقة خرجت في قلة قليلة من النقاط عن الموضوعية، إلا أنني لعلني لا أغالي إذا قلت أنها اكثر دراسة موضوعية لواقع الاقتصاد الأردني.
ولعل الورقة أصابت كبد الحقيقة في الموقف من التعديلات قيد الدراسة عندما بينت أنه "ليس هناك خطأ أو صواب في مطالبة الأفراد بدفع الضرائب مؤكدة أن ذلك يعتمد على الأوضاع العامة في الدولة" ليكون السؤال الأبرز للمؤيدين والمعارضين: هل تسمح الأوضاع العامة في الدولة بمطالبة الأفراد بدفع الضرائب؟
لعل نصف إجابة السؤال أعلاه جاءت على لسان الورقة نفسها حين أكدت على حقيقة خطيرة يفترض بالمؤيدين أن يولوها أهمية بالغة قبل تأييد أي قرار قد يمس جيب المواطن الأردني، والحقيقة هذه هي: "متوسط الأجر في الأردن منخفض نسبيا، وقد تآكل في السنوات الأخيرة". لكن على ما يبدو أن المؤيدين يتعامون عن رؤية هذه الحقيقة و"يتطارشون" عن سماعها، والمثل يقول: "ما في أعمى زي اللي بتعامى وما في أطرش زي اللي بتطارش".
وأما النصف الثاني للإجابة على السؤال عينه فقد يأتي على سحابة حقيقة مفادها أن النسبة المعفاة من الضريبة من المواطنين هي 97% كما أشار الدكتور فهد الفانك في أكثر من مقال له، فهل يضع المعارضون هذه الحقيقة نصب أعينهم؟
وفي هذه الورقة دعا المنتدى إلى بدائل أخرى غير التعديلات على قانون الضريبة لزيادة الإيرادات الحكومية، تمثلت إحدى هذه البدائل في ضرورة تطوير سوق (ثانوي) للسندات الحكومية و(الشركات)، وهي دعوة يفترض بالمعارضين والمؤيدين أن يأخذوا بها بعين الاعتبار لأن مثل هذه السوق تساهم بشكل مباشر بتمويل الحكومة كما أشارت الورقة.
واقترحت الورقة بديلا آخر وهو تعزيز الانضباط المالي من قبل الحكومة. ولعلني لا أسيء فهم هذا الاقتراح على أنه تلميح من المنتدى للحكومة بأن الانضباط المالي الذي ترجمته الحكومة إلى انخفاض في النفقات الجارية في جانب الوقود والكهرباء والمياه والقرطاسية خلال النصف الأول من هذا العام بمقدار 2% ليس بالمستوى المطلوب.
وقد طالبت الورقة بأن يعالج النظام الضريبي موضوع التهرب الضريبي. وكأن الورقة تقول للحكومة: "بدلا من التعديل المقترح لقانون ضريبة الدخل فالأولى معالجة هذه المسألة". وهذا أمر منطقي، لأنه ما الفائدة من أي تعديل مقترح على قانون ضريبة الدخل ما دام أن التهرب الضريبي في حالة فلتان لا ضابط أو رقيب له؟ ثم أن مثل هذه المعالجة تسهم بزيادة الإيرادات الضريبية التي انخفضت نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 15.5% كما ذكرت الورقة، وأشرت إلى هذا الانخفاض كأحد التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني.
وقد دعت الورقة إلى تفادي التغييرات المتكررة في قانون ضريبة الدخل، وهذه دعوة لا يختلف عليها اثنان، ذلك أن مثل هذه التغييرات المتكررة تربك المواطن والمسؤول وصانع القرار والمستثمر الذي يتغنى المعارضون بجلبه وجذب استثماراته كحل بديل لأي تعديل على قانون ضريبة الدخل.
ولعلني لا أجانب الصواب إذا قلت أنه ليس بمكان من العدالة للورقة أن تجري مقارنة بين نسبة الإيرادات الضريبية الى الناتج المحلي الاجمالي في الاردن (15.5%) مع نظيرتها في الدنمارك (46.6%) أو مع قرينتها في إيطاليا (30.3%)! وليس بمكان من الموضوعية أن تقارن الورقة بين الإيرادات الضريبية من الأفراد والشركات المتوسطة والصغيرة في الأردن (4.3%) بنظائرها في كل من اليابان (32%) وبريطانيا (34%) والدنمارك (35%)! ولا حاجة لي لتفسير او تبرير هذا الاعتراض، ف"المكتوب مبين من عنوانه"!
عبرة من كتاب:
في الصفحة 76 من كتاب "الوليد" لمؤلفه ريز خان نقرأ: "يقول الحجيلان المستشار الاستثماري للأمير الوليد بن طلال إن أحد أسرار إعادة التأهيل السريعة للبنك السعودي التجاري المتحد، إلى جانب ساعات العمل الطويلة، أن الوليد لم يكن يفوت أي حيلة عندما يتعلق الأمر بتوفير المال. بل إنه طلب من الحجيلان تخفيض قوة المصابيح الكهربائية في المبنى، للتوفير في تكاليف الكهرباء، وغالبا ما طلب إزالة بعض مصابيح الأسقف. لقد عقد الوليد العزم على إنجاح هذا البنك مهما كلف ذلك".