الشرفات يكتب .. هل يحتمل المشهد الوطني صدق البوح .. !
د.طلال طلب الشرفات
17-09-2017 02:52 AM
اعجب - وربما لأني ما زلت يافعاً في تجليات السياسة - أن ألحظ اجتزاء الخطاب السياسي للساسة وكبار رجال الدولة والطامحين بإشغال الموقع العام وقصوره على الجلسات الخاصة والمراسلات البينية مما يعطي انطباعاً ببروز حالة من الفصام البنيوي في عقول ونوايا هؤلاء ، وافهم دبلوماسية الخطاب في لحظات الترف السياسي والبحبوحة الاقتصادية ، ولكن لا يمكن ان افهم حالة الاحجام عن التعبير في الملمات الوطنية التي لا تستثني احداً لا قدر الله .
توتير ادبيات الخطاب الوطني لا يخدم احداً ، وتخوين من يعبر بصدق عن مظاهر الخلل في الاداء العام جريمة بحق الوطن ، وتوصيف الحالة الوطنية بما هي ليس فيه سلباً ام ايجاباً انما هو ذر للرماد في العيون سندفع ثمنه آجلاً ام عاجلاً ، وترقيع الهم الوطني بوصفات بدائية وحلول نظرية لا تنفع احداً هي مشكلة بحد ذاتها ، فالشعوب الحية هي التي تعبر عن ضميرها الوطني بوعي وصدق وحكمة ، وتنشد الحل دون صراخ او مواربة .
علينا ان نعترف بحاجتنا الى حكومة وطنية صادقة وواعية تكون عوناً لجلالة الملك لا عبئاً عليه ، حكومة لا تخضع لقواعد المحاصصة التي ارهقت الوطن ، ولا للواسطة والمحسوبية والشللية وتسديد الحسابات السابقة واللاحقة ، ولا لظاهرة التوريث التي اضحى الشعب يتقيأ منها صباح مساء ، حكومة يختارها ولي الامر ولا يقترح احد فيها سوى مؤسسات الرصد ودقة المعلومة والسلوك والتي لا يمكن ان تكون منحازة لأحد ، حكومة تغادر التردد الى المصارحة وتتجاوز القلق الى شجاعة القرار الناجز السليم .
علينا ان نعترف بضرورة اصلاح المجلس النيابي وأن نتجاوز مظاهر القلق من مخاطر اسقاط الحكومات من مجلس النواب ، فقواعد اللعبة الديمقراطية تخدم منظومة الثقة العامة وتخلق حالة من القناعة بجدوى المؤسسات الدستورية الاساسية ، مجلس فقد ثقة الناس فيه في الاشهر الاولى لا يخدم ركائز الدولة الاردنية ، مجلس بدلاً من ان ينهض بمسؤوليات جسام في الرقابة والتشريع اضحى تعويذة الخطاب الشعبي وذاكرته المتعبة .
علينا ان نعترف بحاجتنا الملحة لإعلام وطني حر يتجاوز النفاق الى نقل المعلومة بأمانة وتوظيف اهميتها الوطنية والاخلاقية ، اعلام يتعدى المشاكسة والمناكفة الى افق المسؤولية الوطنية العليا بشجاعة وحكمة ، اعلام لا ينتمي الا للحقيقة والوطن ، اعلام يتخلى عن ابتزاز الاشخاص والشركات والمؤسسات الى المهنية والحرفية والامانة ، اعلام يراقبه ضميره وميثاق الشرف الصحفي وليس الحكومة وتشريعات هوجاء سلقت في عتمة من الليل لتكميم الافواه ، اعلام يمتلك ادوات الحرية المسؤولة ويعي متطلبات المساءلة وفقاً للمعايير الدولية .
علينا ان نعي ضرورة وجود احزاب وطنية حقيقية لديها برامج وتطلعات لا تخرج عن حدود المصالح الوطنية العليا ، وتكون مؤهلة لتداول السلطة التنفيذية من خلال برامجها وحضورها في البرلمان ودون الحاجة الى اية تعديلات دستورية ؛ بحيث تبقى صلاحيات جلالة الملك في التكليف ضمانة لاستمرار النهج الاصلاحي ويضحي معه العرف البرلماني اكثر اهمية وتطبيقاً من النصوص الجامدة ، وهذا لا يتأتى الا من خلال خطة وطنية تبدأ بالتنشئة السياسية وتوفير مناخات وطنية للمشاركة السياسية بمظاهرها المختلفة يرافق ذلك التثقيف السياسي وترسيخ مفاهيم الوطنية قبل المواطنة والتخلي عن بعض ممارسات المحاصصة التي لم تعد تليق بدولة تطمح للحاق بركب المدنية والديمقراطية .
الحالة الوطنية حالة تائهة وعطشى للمصارحة والمكاشفة ، والخطاب الوطني يحتكره الهواة ومراهقي السياسة ، والساسة الذين يؤجلون خطابهم الى زمن قادم قد يكون مؤاتيا لهم لن يأبه بهم احد ، وعلى هذا التراب المقدس دائماً ما يستحق الحياة .