ليست الرمثا مجرد فرقة دبكة واكلات شعبية وثوب "مشقح" تعرضه مذيعة "يسعد صباحك"، وما القضية الجوهرية فيها المحافظة على تراث لون الثوب ومحاربة الحداثة في تغيير ألوانه، وإصرار المذيعة على كبح هذا الفساد لتبقى الأصالة في ربوع الشمال رفرافة!
الرمثا ما هي بشكير الماني، كل مرة يسأل المذيع عن اسمه ويعلن بالصوت العالي أن ثمنه قارب الخمسين دينارا، وكأن المرأة الرمثاوية في برجها العاجي تأتيها البشاكير بشحنة خاصة من المانيا، ولا ينظر ليديها وهي "تغربل" القمح المخشوشنة من الكد والتعب!
يرى "سيالات" ذقنها التي كانت علامة جهل لا ترف ولا يسألها عن تأمينها في المركز الصحي، إبرة السكري كيف تحصل عليها، كم مرة تأخذ موعدا لطبيب الأسرة في الشهر ولا تجد دواء! كم عدد العاطلين عن العمل في العائلة، وكم عدد الفقراء في الحي الذين لا يجدون ثمن "لحمة الحوار"، وهو يصر ان الكبة الرمثاوية لا تنفع الا بها!، كم عدد الذين يشترون اللحمة المجمدة وحلم حياتهم كيلو من اللحم البلدي يطرق بابهم في عيد الأضحى !
الرمثا ما هي قصور ونجيل وكراسي منجدة ورقصة "ردي شعراتك" لتتمايل عليها المذيعة، ما هي أثواب مطرزة لا نراها الا في برامج التراث ولا "مكمورة وخبز ببصل" نحسب تكلفتها مئة مرة قبل أن نغامر ونفكر بطعمها! الرمثا ما هي خمسينات نلف فيها أصبع العريس، ولا هي حجات حافظة "مواويل وهجيني".
كل مرة الشاشة الأردنية لا تعرض لنا سوى ما يعرفه اي شخص خارج الاردن عن الرمثا.
الرمثا مليئة بالشباب العازفين عن الزواج لأنهم لا يملكون "خمسين" واحدة فقط ليستدينوا فوقها ثمن خاتم الزواج حسب! وما أكثر طلاب المدارس الذين يتمنون خمسة قروش فقط مصروفا لهم، وصفوفهم المدرسية خاوية من الدفء، قاحلة تحتاج من ينهض بهم ويتبرع ولو بثمن معطف لفقير يرتجف من البرد.
كفانا تجملا كاذبا! وعلى المسؤولين إظهار الحقائق كما هي وتحري الصدق.
الرمثا عالم من القرى والتجمعات السكنية والعشائر، ليست قرية شعبية لا تفقه الا الأكل والرقص والأثواب الغالية! تحوي اللاجئين الكثر، وتفوق اعدادهم كل الأرقام التي يرصدها الدارسون، اسواقها لا تدخل الآن من كثرة البسطات والاجناس المختلفة والعاطلين عن العمل! مجمع حافلاتها مزدحم لا يكفي حركة سكانها، خدماتها الصحية تشكو كثرة المراجعين، شوارعها تكتظ، ومشاكلها تزداد يوما بعد يوم، والإعلام لا يرى الا لحمة الحوار للكبة ويخاف على الثوب المشقح من الانقراض!
كفانا كذبا وزيفا، وليت البرنامج وجد من يأخذ بيديه ويريه أوجاعنا في الرمثا لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .