اللاعبون (بالورقة) الفلسطينية .. إلى أين؟
رجا طلب
19-01-2009 08:49 PM
لم يسبق أن كانت القضية الفلسطينية عرضة للمزايدة كما هي حالتها ألان، وبخاصة في الشق المتعلق بالانجاز الأكبر الخاص بتاريخها النضالي وهو منظمة التحرير الفلسطينية وقيمتها كعنوان أساسي لوجود القضية واستمرارها، ولأول مرة منذ منتصف الثمانينينات وتحديدا بعد حصار بيروت عام 1982 وحصار طرابلس 1983 تدخل اطراف عربية واقليمية على خط المنظمة والشرعية الفلسطينية، وهو ما يشكل بالتوازي مع استمرار الانفصال الجغرافي بين الضفة وغزة واستمرار حالة الخلاف الفلسطيني ؟ الفلسطيني وصفة جاهزة للإجهاز على كامل انجازات النضال الوطني الفلسطيني منذ انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965.
إن تفكير بأخذ الحالة الفلسطينية بعد غزة نحو إظهار أن هناك طرفا فلسطينيا انتصر وان الذي انتصر وبغض النظر عن مدى صحة هذا التقييم من عدمه، يستحق أن يستحوذ على الشرعية، هذا التفكير يشكل من الناحية العملية اخطر سيناريو يمكن أن نتصوره في مرحلة ما بعد غزة ليس فقط لأنه يبقى على حالة التناحر الفلسطينية الداخلية رغم خطورة ذلك، بل لأنه يدخل القضية الفلسطينية مرحلة ازدواجية التمثيل والشرعية وهو نفق يقود بالضرورة إلى نفق آخر هو نفق انعدام القدرة على الوصول إلى حل واقعي للقضية الفلسطينية وتحديدا حل الدولتين، ويعيد القضية الفلسطينية برمتها إلى المربع الأول عندما كانت اطراف عديدة تتعامل مع القضية كورقة سياسية تتجاذبها القوى العربية المتصارعة والحسابات الاقليمية، وكانت باسمها تصدر بيانات الانقلابات البيان رقم 1 خلال الخمسينيات والستينيات، وباسمها تجمل كل المسلكيات البشعة وتغطى كل الاعمال السياسية المحرمة، الى ان نجح القائد التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات في إخراجها من دائرة الحروب بالوكالة ودائرة اللعب بها ورقة سياسية يستفيد منها هذا الطرف او ذاك الى مرحلة القرار الوطني الفلسطيني المستقل ، حيث اتخذت في هذه المرحلة اكثر القرارات خطورة وحساسية ومصيرية، مثل اعلان الاستقلال عام 1988، وما تلا ذلك من تطورات وصولا الى قرار اوسلو الذي شكل قمة الشعور الفلسطيني بالاستقلالية والقدرة على تحديد المصلحة الوطنية الفلسطينية بعيدا عن اية مؤثرات تذكر.
إن الأجواء العربية التي تعيش في ظلها القضية الفلسطينية، هي أجواء تذكرنا بتلك التي صارعها عرفات وانتصر عليها، فاليوم نسمع بشيء اسمه شرعية المقاومة في مقابل شيء اسمه السلطة الفلسطينية، كما نسمع عن دم حار وحر، ودم آخر، وكل هذا يسير في اتجاه الوصول إلى هدف واحد هو ضرب الشرعية الفلسطينية وإنتاج شرعية جديدة متعارضة معها وذلك في إطار مخطط رسمته أطراف إقليمية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية إلا بقدر توظيفها لها والاستفادة منها في لعبة تحسين ظروف التنافس او التفاوض مع أميركا وأو إسرائيل.
إن مثل هذا المخطط والذي بدأت ملامحه في الظهور قبل أيام في الحديث العلني سيقتل بلا أدنى شك أية إمكانيات لولادة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس في الضفة الغربية وغزة، وهو تماما ما قصده جلالة الملك عندما أبدى تخوفه قبل عدة أيام من مؤامرة على القضية الفلسطينية ونبه لضرورة التصدي لها ، لذلك فان أي حل بعد انتهاء العدوان لا يقوم على أساس البدء بمصالحة فلسطينية تقود إلى تشكيل حكومة توافق وطني والشروع بانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة وفق ورقة المصالحة المصرية التي كانت مقترحة للقاء المصالحة في القاهرة في 10/ 11/2008 هو حل ملغوم القصد منه إعادة تفجير الحالة الفلسطينية من داخلها مرة أخرى لزيادة الشرخ وتكريس الانقسام السياسي والجغرافي.
ولذلك فان محاولات اختطاف القضية الفلسطينية في ظل فورة العواطف والهياج الشعبي والغضب في الشارع العربي من جرائم إسرائيل في غزة نحو منعطفات سياسية حادة غير محسوبة وغير مدروسة ( مثل تجميد مبادرة السلام العربية والضغط على الأردن ومصر بتجميد علاقاتهما مع إسرائيل ) وفي ظل غياب قرار عربي بالعودة الى الخيار العسكري في مواجهة إسرائيل لا يخدم إلا الاحتلال، لان من شان هذه الاشتراطات في ظل غياب البدائل إدخال القضية الفلسطينية مرحلة الفراغ السياسي ومرحلة اللا حرب واللا سلم وهي المرحلة المريحة للاحتلال لأنه يصبح في ظلها متحررا تماما من أي كلف سياسية أو استحقاقات مطلوبة منه، فيما ترى بعض الأطراف الفلسطينية والإقليمية أن هذه الأجندة هي اجندة ممانعة وقوة للقضية الفلسطينية.
rajatalab@hotmail.com
الراي