facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأعاصير بين الله وحيرتنا


سيف الله حسين الرواشدة
16-09-2017 03:15 PM

تباين أحكام النَاس و آرائهم حولَ الظّواهر و الوقائع قديمٌ قِدم البشر، قد تحيطُ ببعض أسبابه؛ من اختلاف البيئات والتّكوينات النّفسية و التّراثية و المراجع و الأطُر المعرفيّة و ظروف التّربية، و ما نحملُه من عاداتٍ و تقاليدَ و أفكارَ سابقة، و زاد البعضُ إذ قالَ أن لا سلطة حقيقيّة للفرد تجاه هذا الاختلاف إلا قليلًا، فأيّ فعلٍ تلومُ صاحبَه عليه لو وُجدت في مكانه و تحتَ ظروفه و ما مرّ بهِ من تجاربَ لفعلتَ فعله! و لقلت مثلَ قولِه! فكلّنا لا نخلو من الحقّ و الباطلِ و لكنّنا نختلف في نسبهما، و قد نكونُ "صوبَاً يحتمل الباطل، و باطِلاً يحتملُ الصّواب". و لا نُحيط نحن لزامًا بالأكثر من مسببات الاختلاف.

وقد يظهرُ من هذا التّباين رأيان ينقسم النّاس بينهما نسبيا بين مغالٍ و متعاطفٍ وميًال، ليحتدمَ بينهما الصّراع على تشكيل الرّأي العام إزاء حدثِ معيّن و لنأخذ الأعاصير الأخيرة التي أصابت الولايات المتحدة مثالاً نستعرضه سويّة.

انقسم النّاس نسبيًا حول موقفين من هذه الأعاصير، ففريق فسّرها على أنّها تمثّل غضبًا من الله و عقابًا، و الثّاني نَقم على الأوّل تشفّيه و خمول تعاطفه الإنسانيّ مع الضّحايا المدنيّين، و ساق الجميع الحججَ و المقدمات و النّتائج المنطقيّة التي تدعم موقفه و تجرح خصمه شخصًا و ادعاءً. و لسنا هنا بصدد نصرة فريقِ على آخر، لكن ما يهمّنا هو البحث عن مسببات تكوين هذي الآراء، و نظنّ أنّها مجرّد انعكاساتٍ و ظواهرَ لمشكلةٍ قد يكون مجتمعنا يعاني منها، فنحن نريد أصلها لا ظلالها بحثًا و دراسةً ما وسعنا ذلك.

إنّ تفسير الظّواهر الطّبيعيّة و احالتها إلى غضب السّماء قديمٌ جدًا، سانده في سالف التّاريخ جهلُ البشر بمسبباتها المباشرة و حاجة عقولنا لإزالة الغموض عنها، وبقي يدعمها حديثًا إيماننا الرّاسخ أنّ كلّ شيء يحدث في هذا الكون يقع ضمن إرادة الله -مع اختلاف تفاسير الجملة الأخيرة- و ممّا سبق نجد أنّنا قد ندعو على الظّالمين بأن يُصابوا بفتك هذي الظّواهر و غيرها و نسببها بظلمهم و ابتعادهم عن الصّواب من دون أن نتوقف عند مقدمات هذه الأحداث، من الاحتباس الحراريّ و تغيّرات المناخ للأعاصير مثلًا، و حتى لمّا تكون المصيبة من حظّنا كالزّلازل أو اجتياح المغول لبغدادَ قديمًا، علّلنها بالابتعاد عن مستقيم صراط الدّين -و لم يذكر من النّاس إلا قليلاً ضعف الدّولة العباسيّة الذي امتدّ أكثرَ من 100 سنة قبل السّقوط، وسيطرة السلاجقة عليها وتنازعهم بين بعضهم، و تقليص جيش خلافة بغدادَ ليُمسي ثلَة من الحرس الخاص، و مداهنة المعتدي بالهدايا و الأعطيات و نهاية خيانة بعض المقرّبين -و تحمل هذه النّظرة خلفها شعورًا عظيمًا بالمظلوميّة و طلب العدل من الله فقط بتدخّلٍ مباشرٍ خارج سنن الكون و قواعده (على طريقة المعجزات) و عدم تصالح مع الواقع و رفضه باعتقاد فساده مع شعور عميقٍ بالهوان و ضعفِ القوّة و قلّة الحيلة، توازيه ثقةٌ كبيرة بصحّة المعتقد و القرب من الله من دون باقي البشر فهم الناجون و الغير هم لنفسهم ظالمون.

أمّا النّاقمون فيشعرون بالاستعلاء الأخلاقيّ الوهميّ على الفريق الأوّل، يحملهم على هذا قيم الحضارة المدنيّة و الإنسانيّة التي يظنّون بها، و هذا الاستعلاء قد يتحوّل إلى بغضٍ و كرهٍ لمخالفيهم متهمين إيّاهم بالرّجعيّة و الوحشيّة تهكمًا و قرفًا، محمّلين إيّاهم كلّ ما حاق بنا من ظلمٍ و كبتٍ و تأخّرٍ عن ركب الأمم، و أنّ جمودَهم و تمسّكهم في فكرٍ وسطى العصور هو الطّامة الكُبرى التي ابتُلينا بها و هذا فيه كثيرُ من الظّلم و الجهل، و كل ذلك طبعًا يغلق باب النقّاش بينَ الفريقين و يحوّل أيّ مناظرةٍ بينهم لصراعٍ طاحن يُقصد به هزيمة الخصم لا الصّواب.

و أنا صراحًا لا أري فارقًا بينَ الطّرفيين، فكلاهُما مؤمنٌ بما يظنّ و تنطبق عليه أحكام العاطفة المتعلّقة بطبيعة الإيمان، و كلاهما يضع نفسَه فوقَ صاحبه رغمًا و يحتكر الحقّ لنفسه، و كلاهما ضحيّة قد لا يملك من أمره ما يظن، و هذا حالُ البشر كلّهم بتفاوت ظروفهم و أحوالهم. و يبقى السّؤال إذا اتفق الجوهر ففيما اختلاف المواقف؟

أظنّ أنّ الاختلاف يُعزى لما جرى لنا في آخر ثمانين سنة، فنحنُ قبلَ هذا كنّا بعيدين عن منتجات الحضارة الغربيّة الماديّة و الفكريّة، و كانت عمّان قرية و كُبرى محافظاتنا لا تعدو على تجمّعات سكّانيّة متوسطة الحجم، تنعدم فيها المدارس و الجامعات و المتعلمون و المثقفون و منتجات الحضارة ممّا نعتادُه اليوم من سيّاراتٍ و طائرات و غيرها و نستثني من هذا قليلًا ممّن رحم ربّي طبعًا، و كانت تسيطر علينا صور تراثِنا و ما اعتدنا و وجدنا عليه آبائنا في كلّ شيء من صفات الرّجولة إلى الكتّاب و شيخه، و كأنّنا تجمّد عندنا الزّمن قبل 700 عام.

و نحن الآن نستعمل تقريبًا كل منتجات هذه الحضارة و بعضنا يتحذلق بأقوالِ علمائها و كبارها و يدين بنظرتهم، و بقي أيضًا كثيرٌ من ماضينا يسكننا فالثّمانين عامًا ليست مدة كافية ليكون هذا التّغير العظيم سلسًا، و قد يصحّ أن نقول أنّنا في المنزلة بين المنزلتين، فلا نحن ندين للحضارة الغربيّة بالولاء و الاقتناع التّام، و لا نحن بقينا على حالنا، و هذا مكمن التّناقض فينا، فمن يتشفّى بالإعصار يستعمل الهاتف و السّيارة و معظمَ مخرجات هذه الحضارة و قد تستحيل حياته دونها، و من ينكر التشفّي فلا يؤمن باختلاف الرّأي و الحرّيات و لا أنتج لنا نماذج حضاريّة كالتي استخدمت في إجلاء أكثرَ من 6 ملايين شخص من دون وقوعِ خسائرَ تذكر، و لا أخذَ على عاتقه الارتقاء ببني قومه و اكتفى باستعلائه عليهم، و لا ننكر استثناء بعض النّاس ممّا سبق.

و ختامًا قد يقول أحدكم أنّنا أحسنّا بعدم اندماجِنا الكامل مع الحضارة الحديثة، و وقفنا في وجه علمنة الأخلاق والأفكار.

و قد يكون هذا قولٌ حسن، لو كنّا نملك مشروعًا بديلًا يناسب أحوالَ عصرنا و ظروفِنا معتمدًا على تنظيرٍ متينٍ يقف على تصوّراتٍ واضحةٍ لتراثنا و مستقبلنا، و هذا ما ينقصنا. فلا يجوز لنا أن نذوبَ في تصوّرات الغير الجارفة لنا اليوم و لا يصحّ أن نبقى على حالنا أو عند اجتهادات العصور الوسطى التي هي نفسها لم تقف عندَ أقوال سابقيها و الله هو المقصد و المستعان .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :