نقد ذاتي شديد اللهجة
اللواء المتقاعد مروان العمد
16-09-2017 01:20 PM
هل اقتربنا نحن الاردنيون لمرحله تجعلنا نردد ما قاله الشاعر العراقي احمد النعيمي نحن شعب لا يستحي، والذي قيل انه أعدم على إثرها؟
هل فعلاً أصبحنا نقترب من هذه الحالة؟
في البداية هب الغيورون على مصلحة البلد للتصدي للفساد وملكوا الجرأة اللازمة للتحدث حول هذا الموضوع ولكن جرأتهم هذه فتحت الباب لغيرهم لطعن الشرفاء في اخلاقهم وفي تصرفاتهم وألصقوا بهم تهم الفساد واصبحت هذه وسيلة لاغتيال الشخصية او تصفيه الحسابات الخاصة. بل انها طالت من تصدوا للفساد ولم يخضعوا له ليتم استبدالهم بمن يلبي الطلبات.
في البداية كان يتم الحديث عن الفساد والفاسدين لغايه كشفهم وتعريتهم ومحاسبتهم واسترداد ما اختلسوه او سرقوه.
ثم أصبح الفساد صفه تطلق على كل من استلم وظيفة عامة، ومنذ لحظة الاعلان عن ذلك ويتم البحث في ملفاته الشخصية وملفات عائلته وصورهم واستغلالها لتحطيمه دون التفات لإمكانياته ومقدرته على العمل.
اسماء طُرحت لتولي مناصب عامة وكانت تحمل برنامج عمل لم توافق عليها قوى الشد العكسي سرعان ما تم تحطيمها وافشالها باتهامات بالفساد لم يتم اثباتها.
أصبح الدفاع عن اي مسؤول وعن استقامته جريمة لا تغتفر وتصبح هي الفساد الاكبر. وإذا اردت ان يقرأ الآخرون ما تكتب فيجب عليك ان تتحدث عن فساد الجميع وإلا فأنت فاسد وخائن ومتآمر.
لقد مر علينا مسؤولون كانوا يحملون وجهات نظر وخطه ومشروع. وكان ذلك يتطلب الغاء الماضي فثار أنصار الماضي واعتبروا كل حديث عن التحديث هرطقة وكفرا وفسادا.
نعم هناك فساد وهناك فاسدون ولكن جرأة التحدث عن الفاسدين امتدت لتصبح جرأة لاتهام من هم غير فاسدين بالفساد. فضاع الصالح في عروة الطالح.
ولم يتوقف الامر عند الحديث عن الفساد والفاسدين فلطالما كثر الحديث عن الاختيارات الخاطئة للمسؤولين والتي تعتمد على صلة القربى او العشيرة او المنطقة او المحاصصة. وطالما نادى الكثيرون بأن يكون التعيين على الكفاءة والتخصص وإذا صدر تشكيل حكومي او اٌجريت تعيينات لم تراع هذه المحاصصة تشن عليها اشد انواع الهجوم ممن كانوا ينادون بالأمس لاعتماد معيار الكفاءة والمقدرة عند التعيين.
وإذا استبدل مسؤول من منطقه بمسؤول من منطقه أخرى قامت نفس الاقلام بالاعتراض على التعيين الجديد والدفاع عن القديم وعلى نفس الاسس العشائرية والمناطقية.
بالأمس القريب جرت احالات على التقاعد وتبعها تعينات احتفل بها البعض بأنها اعادة الحق لمنطقة ما على حساب منطقه أخرى وانتصارا لها دون التطرق للكفاءة والمقدرة والاستقامة كما كان المطلب قبل ذلك وكأن المهم ان يكون المسؤول من هذه المنطقة او تلك ثم يتحدث نفس القلم عن فساد الحكومة.
ولم يتوقف الامر عند ذلك ولكن تعميم صفه الفساد على الجميع وعلى مختلف المستويات فتح الباب للمتربصين في هذا البلد وقيادته لاعتبارها هي المسؤولة عن ذلك طالما هي تملك حق التعين والتشكيل والرفض.
وهكذا أصبحنا نسمع من يتحدث عن مسئولية جلاله الملك عن ذلك بالرغم من نصوص الدستور الواضحة التي تجعله فوق المسائلة القانونية حيث ورد في الدستور ان نظام الحكم في الاردن نيابي ملكي وراثي. كما ورد في المواد من الرابعة والعشرين للثامنة والعشرين من الدستور ان الامة مصدر السلطات وتمارسها على الوجه الوارد في هذا الدستور وانه تناط السلطة التشريعية بمجلس الامة بشقيه النواب والاعيان. وان تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق احكام هذا الدستور. وان السلطة القضائية مستقله تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر الاحكام وفق القانون باسم الملك.
كما ورد بالمادة الثلاثين من الدستور ان الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعية ومسؤولية.
اي ان ايه مسؤولية عن اي تصرف او قرار تقوم به الحكومة هي مسؤولية رئيسها ووزرائه الذين يسميهم وليس مسؤولية الملك. وان مسؤولية اي قانون او تشريع يقع على عاتق مجلس الامة الذي اقره. وان اي قرار قضائي يقع على عاتق المحاكم المختصة التي اصدرته. ولطالما كان جلاله الملك صمام الامان للشعب من هذه السلطات عندما تنحرف عن مسارها ولكنه لا يمكنه ان يصنع شخصيات السوبرمان ولا ان يقوم لوحده بعملها. واني على ثقة ان جلالته سيتخذ الاجراء المناسب في الوقت المناسب. فليس المهم تغيير الاسماء بقدر تغيير المعطيات والتي وعلى ضعها الراهن سوف تجعل خروجنا من الشرنقة امراً ليس باليسير وعندها سيكون ثمن عدم النجاح اشد وطأة.
ولم يقتصر الامر على ذلك ولم يعد يقتصر الحديث عن الفساد على اصحاب الاختصاص والعقول والذين يملكون امكانية المعرفة وسبر غورها بل أصبح حديث من يعرف ومن لا يعرف وامتهن هذه المهنة كل من هب ودب ونزل مستوى الحديث فيها الى الحضيض واخذت تستعمل عبارات لاذعة ومخلة بالآداب العامة. وأصبح الحديث يتضمن التحريض على الفوضى وعلى الخروج عن النظام مما قد يقود البلاد الى ما لا تحمد عقباه.
وفي هذه الايام ترتفع وتيره المسؤولين السابقين الذين يتحدثون عن فساد المسؤولين الحاليين وفشلهم متناسين فسادهم هم عندما كانوا بالسلطة او على الاقل سكوتهم عن الفساد الذي كان يمارسه زملاء لهم. ثم اخذوا يضعون لنا الخطط والترياق للخروج مما نحن فيه من مشاكل اقتصادية وسياسية في حين كان صمتهم كصمت القبور عندما كانوا هم السلطة او ربما كانوا هم من اوقعنا بهذه المشاكل نتيجة سياساتهم الفاشلة.
وليكتمل المشهد بنفر من المتقاعدين العسكريين من اجهزتنا الأمنية الشريفة والمخلصة الذين خرجوا عن النص بعد ان خرجوا من صدارة الصورة فأصبحوا ينطقون بلسان الحكماء وليصدروا بياننا هو أقرب للبيانات التي كانت تبدأ بالرقم واحد في زمن سيطرة العسكر على بعض الدول العربية وليطالبوا بتعديل دستور تم اقراره بالطرق الشرعية وليطرحوا اسماء محددة لتشكيل الحكومة في اعتداء صارخ على صلاحيات جلاله الملك.
ما يقوم به البعض ليس مطالبة بمحاربة الفساد بل هو افساد للوطن. وما قلته عنهم ليست مطالبة بوقف محاربة الفساد من قبل ابناء الوطن الغيورين عليه بل هو مطالبة لهم أيضاً بالتصدي لمن يتصيدون للنظام فهذا لا يقل عن محاربتهم للفساد ان لم يكن أكثر اهمية.