تصرفت القوات النازية إبان الحرب العالمية الثانية، في آخر أيامها وقبيل إنهيارها، بطريقة الانتقام لكل ما يقابلها من بشر وشجر وحجر، وبأسلوب الأرض المحروقة. ومثلت قسوتها درجة لم تألفها لا الحرب العالمية الأولى ولا باقي الحروب الاستعمارية. والمراقب لما تقوم به القوات الصهيونية من عدوان لم يشهده التاريخ على الشعب العربي الفلسطيني في غزة، والذي دخل يومه الثانث والعشرين(27/12/2008-18/1/2009)، يعتبر صورة متقدمة واكثر قسوة مما قام به النازيون في الحرب العالمية الثانية (1939-1945 ). والسؤال الذي يطرحه على نفسه المراقب ذو البصر والبصيرة، هل هذا العدوان وقسوته يعتبر اشارة للعد العكسي لانهاء اسطورة اسرائيل وجيشها الذي لا يقهر ؟؟. كما أن حالة الهستيريا التي تعيشها اسرائيل اليوم، شعوباً وجيشاً وقادة، هي نفس الحالة التي عاشتها المانيا النازية قبيل سقوطها امام دول الحلفاء؟؟.
وإذا صحت بعض الاشارات الاسرائيلية الى احتمال وقف عدوانها على غزة ومن وراء غزة الشعب العربي برمته، ومن طرف واحد، فإن هذا يعني بأن العنجهية الصهيونية قد وصلت الى حد لا يطاق من تنصل لقرارات الشرعية الدولية خاصة قرار مجلس الامن رقم 1860 (9/1/2009) الذي رفضته اسرائيل جملة وتفصيلا. كما يمثل تجاهلها لكل الجهود الدولية وتنكرها للدعوات العربية الداعية لوقف عدوانها، خاصة المبادرة المصرية، استخفافاً بالدور العربي وعدم اعترافها أصلاً بوجوده، كما يعبر عن عدم احترامها لشركائها في العملية السلمية خاصة مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية والاردن. وهدف إسرائيل من انفرادها بتوقيت هذا العدوان وإنهائه، دون الإكتراث بردة الفعل العربية، شعباً وحكاماً، إستخفافاً بالارادة العربية واحراجاً للنظام العربي الرسمي امام شارعه الغاضب.
وبالرغم من هذا العدوان الموجه ضد الوجود العربي، وسقوط الاف الشهداء والجرحى الذين طحنت آمالهم آلة الحرب الصهيونية، لم تستطع الامة العربية قراءة الحالة العدوانية التي تعيشها غزة كما هي وليس كما تقدم من خلال تقارير أعدائها وتطميناته، ولم تدرك انعكاساتها على مجمل الامن القومي العربي.
إن الوعي العربي، لم يستفق بعد من هول الصدمة حتى يتمكن بالتالي من التحرك نحو الخطوة القادمة. وحتى المجتمع العربي السياسي أو الاقتصادي أو حتى الفكري لم يستطيع أن يصل الى حد التوحد أو الالتقاء على الحد الأدنى من ثوابت وحدة الامة ومصيرها المشترك.
إن الانسان العربي وصل الى درجة الإحباط مما يشاهده من حالة ضعف وصلت اليها امته، وبالرغم من ذلك، فإنه يأمل ان تتمكن القيادات السياسية العربية، ولو على أقل تقدير، إعادة قراءة دورها وواجبها، واستثمار الجهد العربي المشترك الذي بدأ من خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية في القاهرة يوم الأربعاء 31/12/2008 على مستوى وزراء الخارجية وبدعوة من المملكة الأردنية الهاشمية، وقمة الرياض الطارئة لدول مجلس التعاون العربي التي التأمت يوم الخميس 15/1/ 2008 بدعوة من المملكة العربية السعودية. وقمة الكويت العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي ستنعقد اليوم الاثنين 19/1/2009، بدعوة وتنظيم وتخطيط من لدن دولة الكويت. والوصول الى نص موحد حول حماية الأمن القومي العربي، وردع العدوان الصهيوني، وإحياء التضامن العربي، واعادة ترميم العمل العربي المشترك المتمثل في مؤسسته الرسمية الوحيدة جامعة الدول العربية.
وإذا كان هذا هو الحد الادنى المطلوب، فإن الشارع العربي مطالب كذلك بالتوقف عن لغة التخوين لهذا الطرف العربي او ذاك، والإعتراف بالدماء العربية التي سالت في سبيل فلسطين وشعبها وعدم تجاهل المواقف السياسية والاقتصادية لكافة الأقطار العربية.
alrfouh@hotmail.com