الرأي العام .. مشاعر أم وعي
دانه ناصر
15-09-2017 12:01 PM
كثيرا ما نسمع بالشارع العام وفي البيوت والمساجد إلى مجالس البلدية والنواب; مصطلحات مثل إصلاح وتغيير وارتقاء ونهضة والخ من هذه المصطلحات التي تبين أن وضعنا الحالي في البلاد ليس بالمستوى المطلوب ويحتاج الى كثير من العمل والجهد لنترفع الى وضع أرقى من هذا، فالمشاكل موجودة والفساد متفشي بشكل كبير ..إلّا أن هذه المصطلحات تختلف في معناها من فئة الى أخرى وتختلف بالكيفية وأيضا بالنتائج ومن هو المستهدف ومن المستفيد من تفعيل هذا الأفكار .
ولو أردنا أن نفصّل الأمر أكثر علينا تحليل كل فئة من فئات هذا المجتمع ، فالمجتمع لا يتكون من الأفراد فقط، بل يقوم على أساس 4 مقومات رئيسية ، لو اتحدت على فكرة واحدة وهدف واحد كونت لنا منظومة رائعة ترتقي بهذا المجتمع ككل وتتحدى في مبادئها باقي الأمم ، ولكن المشكلة تكمن في أن كل واحدة من هذه المقومات تسير وحدها، فالأفكار باتجاه والمشاعر باتجاه آخر و نظام الحكم باتجاه ثالث ، وكل هذا بسبب كثير من العوامل التي أدت الى تفتيت مقومات المجتمع ، والذي هو عبارة عن : الأفراد والمشاعر ، والأفكار ومنظومة الحكم .
من يتابع آراء الناس بشكل دوري يستطيع ملاحظة التشتت الذي يعيشه معظمهم ، فنجد أن الناس تبين أفكارها بطريقة قويمة ثم تجدهم في لحظات قد حرفوا الفكرة باتجاه آخر ، إما بسبب قلة الوعي أو بسبب التردد في الطرح، وهذه حالات لن أقول عنها طبيعية ، ولكنها وبلا شك ردات فعل لما آلت اليه الأمور من تشرب أفكار غريبة من مجتمعات أخرى أي إدخال مبدأ غربي على مبدأ اسلامي ليّكون بذلك تشتت في العقول وبالتالي تأثرا على السلوك ،كمن لا يقطع صلاةً ثم يقول إن الله لا شأن له بطريقة عيشنا (ضمن مبدأ فصل الدين عن الحياة) .. وهكذا تم خلط المبادئ حتى تداخلت الأفكار مع بعضها وتسممت الآراء ..
أما هذه التخبط فهو ناتج عن المشاعرية الموجودة في الرأي العام ، اذ أن الناس تنقاد دائما الى الأصوات التي تملك خطابا مشاعريا أكثر من غيرهم مفضلين بذلك عنالبحث الجاد والتقصي عن الحقائق ، فهم يسيرون ضمن الجماعة التي تسهل عليهم الأمر حتى في إبداء آرائهم، ولنقل ان اتباع الجماعة أمر طبيعي فهي من أساس الفطرة، فقد أثبت عدة تجارب ان اجمالي البشر يتبعون الجماعة ، وكمثال على ذلك طرح في برنامج علمي على ناشونال جيوغرافيك اسمه ألعاب العقل ، تجربة على مجموعة من الأشخاص، وكانت التجربة كالآتي : مجموعة من الناس جلسوا في عيادة ما منتظرين، قيل لهم أن عليكم أن تقفوا ثم تعاودوا الجلوس اذا سمعتم الصفارة، وبدأ الاختبار.
دخل أناس جدد لا يعلمون بالأمر شيء انتظروا على مقاعد الانتظار كالعادة، أطلقت الصفارة فقام الجميع ثم جلسوا، وبعد المرة الثانية او الثالثة انضم لهم هؤلاء الجدد دون أن يفهموا السبب أو حتى أن يستفسروا عنه، استمر هذا الأمر حتى خرج كل من كان له علم بالأمر في السابق، وامتلأت القاعة كلها ب أشخاص جدد لا يفهمون ما الأمر، إلا أنهم يقومون ويجلسون كلما صفرت الصفارة.
الشاهد بالأمر؛.. إن الأفراد بالمجمل يتحركون وفق قواعد الجماعة حتى ولو لم يفهموا الأمر. لا يهمهم وقتها عقل الفرد وحده في العمل، إنما يفضلون إتباع الجماعة التي هي بالتأكيد لها دور وثيق في التنظيم وتحريك الناس.
إن لهذا الأمر طابع إيجابي وسلبي.. أما السلبي فهو بالتأكيد يتمثل في إغلاق العقل عن التفكير واختيار الطريقة السهلة والتي لن تحرجك بالسؤال ، أما الطابع الايجابي هو عندما يكون اتباع الجماعة عن فقه ووعي لما يدور من أحداث فيكون بذلك كسب للعقل وكسب اتباع قواعد الجماعة التي تعمل من أجل هدف واضح قويم.
ولكن الانقياد لا يكون ضمن اطار المشاعرية التي أوصلتنا الى حالة من العمى المطلق بل من خلال نظرات ثاقبة للأمور وتحليل وتمحيص وإلمام بجميع الجوانب والزوايا ومعرفة سبب اختلاف المصطلحات من فئة الى أخرى وكيفية التعامل معها ثم إثارة الرأي العام لمبدأ أو فكرة ومناقشتها على الملأ بشكل واضح دون تمييع ، وهكذا يكون الوعي.
فالوعي مطلوب بشدة ، فكل متبني مبدأ عليه أن يعي مطالب هذا المبدأ وشروطه ثم يعكسه على سلوكه ، فإن لم يوافق عقله وفطرته فلا حق له بالانقياد معه.