الأردن وفلسطين والاجماع العربي .. كي لاينسى أحد
محمد حسن التل
18-01-2009 10:56 PM
منذ الساعة الاولى للعدوان الاسرائيلي على غزة ، تبلور الموقف الاردني مطالبا بوقف هذا العدوان ومعالجة مشكلة غزة بالكامل ، من خلال رفع الحصار وفتح المعابر وعودة جميع الفرقاء الفلسطينيين الى طاولة الحوار ، وتسارعت حركة الديبلوماسية الاردنية بقيادة جلالة الملك ، ليس فقط على الساحة العربية والاقليمية ، بل على مختلف الساحات الدولية ، وكان الاردن اول من طلب اجتماعا عاجلا لوزراء الخارجية العرب ، لمناقشة الوضع المتفجر في غزة ، واعلن منذ اليوم الاول ، انه مع الاجماع العربي في اي اجتماع قمة او تحرك. والاردن في هذا الموقف ، كان يعبر عن ارتباطه المباشر مع قضية فلسطين ، كأقرب طرف لهذه القضية ، منذ بدايات القرن الماضي.
و لا يستطيع احد ، ان يزاود على الاردن في موقفه ، ازاء هذه القضية المقدسة بالنسبة له ، وهو على امتداد مسيرته السياسية ، لم يكن يوما الا عاملا ايجابيا للاجماع العربي ، وقد دفع الثمن باهظا اكثر من مرة ، بسبب تمسكه بهذا الاجماع ، ولم يسجل في تاريخه ، انه كان يوما عنصر تفريق بين العرب ، وقد رفض على امتداد العقود ، سياسة التخندق والمحاور ، التي دفعت الامة ثمنا باهظا لها ، وجرتها الى انفاق الفرقة والتناحر.
والاردن ارتبط بالقضية الفلسطينية في مختلف مراحلها ، وساند الفلسطينيين ووقف الى جانبهم جميعا ، دون النظر الى اختلاف الاتجاهات.
ولا احد يستطيع ان ينكر او يتجاهل ان "حماس" التي تقود اليوم المقاومة في غزة ، كانت حاضنتها الاولى في عمان ، حيث وجدت الرعاية الاخوية حتى قوي عودها عربيا ودوليا ، في حين كان البعض يحاول اجهاض مشروعها ، وهل ينسى احد موقف جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال ، ازاء محاولة اغتيال السيد خالد مشعل في عمان ، كيف وضع مصير السلام في المنطقة في كفة ، وحياة مشعل في كفة اخرى ، ومن ينسى طرده لشارون من القصر الملكي ، ورفضه مقابلته ، وظل يضغط على اسرائيل ، حتى افرجت عن مؤسس "حماس" الشيخ احمد ياسين رحمه الله تعالى ، حيث اعاده بعد فترة العلاج في عمان ، الى غزة معززا مكرما ، وكان قبل ذلك قد فتح صدره ، لاستقبال الدكتور موسى ابو مرزوق ، العائد من السجون الامريكية ، وغمره بروح اخوية ، في حين رفض الكثيرون من العرب ، استقبال الرجل في بلادهم.
نستذكر هذه الاحداث ، حتى لا يزاود على الاردن احد ، في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية واهلها ، وما سبق يؤكد ان الاردن ، رفض ان ينحاز الى طرف فلسطيني ضد طرف اخر ، حفاظا على هذه القضية من الضياع ، كما فعل الكثيرون من العرب ، الذين حولوا قضية فلسطين ، الى ورقة يلعبون بها كيفما شاؤوا ، وحسب مصالحهم.
الاردن لم يغب يوما عن قمة عربية ، او حتى اجتماع عربي ، تحت لواء الجامعة العربية ، وفي احلك الظروف ، كان الاردن ينادي بوحدة الصف العربي ، وهل نسي العرب موقف الاردن في حرب الخليج؟ حيث كان يسعى لحل القضية عربيا ، ولو قدّر للعرب ان يسمعوا صوت الاردن انذاك ، لما دخلوا في نفق العراق المظلم.
والاردن ذهب الى السلام بقرار عربي ، فعندما ذهب العرب جميعهم في هذا الاتجاه ، كان الاردن من ضمنهم ، ولم يكن قراره شقاً للصف العربي ، والجميع يعرف ان الفرصة تاريخيا كانت متوفرة للاردن ان يفاوض وحيدا ، وربما كان بامكانه ، ان يحصل على اكثر مما حصل عليه ، في المفاوضات التي نتجت عن "مدريد" ، ولكنه آثر ان يبقى مع الاجماع العربي ، ويجب ان لا ننسى ايضا ان الاردن وقع معاهدته ، بعد ان وقع الفلسطينيون اتفاق اوسلو وسار ت الدول العربية المعنية في مساراتها.
نحن نرفض اي محاولة مساس في مواقفنا العربية والاسلامية ، التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ، في هذا الظرف الحساس والدقيق ، الذي تمر به القضية الفلسطينية ، بل ومصير الامة بكاملها ، والتي يتصدى لها الاردن اليوم بكل امكاناته ، منبها الى ضرورة الانتباه لما يخطط لفلسطين ، بل وللمنطقة.
الاردن كان وسيظل واضحا في مواقفه وسياساته ، بعيدا عن المصالح الضيقة ، التي يمارسها البعض ، وخصوصا في هذا الظرف الصعب ، الذي يعصف بنا جميعا