رجاءً .. لا تتحدثوا عن انتصار
18-01-2009 07:37 PM
قبل الوقف الفعلي للعدوان الصهيوني على ابناء قطاع غزة بساعات ، انبرى عدد من قياديي فصائل المقاومة في الخارج ، بالحديث عن تحقيق الانتصار على العدو الصهيوني ، بعد اكثر من ثلاثة اسابيع من هذا العدوان البربري .
وهذا الكلام صحيح ان كان المقياس فقط ، هو وجود المقاومة او فناءها ، فابسط مواطن عربي يدرك ان العدوان والاحتلال والقهر والاذلال ، دائما يعزز روح المقاومة عند كل شعوب الارض ، فالمقاومة كما يدل اسمها ، رد فعل شعبي عكسي لفعل ما ، وهذا الفعل هو في الغالب الاحتلال ، فكيف اذا رافق هذا الاحتلال ، عدوان غاشم ظالم ، ارتكبه عدو حاقد ، تخلى عن كل القيم الاخلاقية ، فارتكب بحق مواطنين ابرياء ، ابشع مجزرة عرفها العصر الحديث ، ان من ناحية شمول العدوان ، كل ما على الارض من بشر وشجر وحجر ، او من ناحية الاسلحة المحرمة دوليا ، وقد شاهدنا جميعنا ضحايا تلك الاسلحة ، الذين ابكت بشاعة اصاباتهم الاطباء المعالجين ، او من ناحية ان المجزرة اعقبت شهورا من الحصار والمعاناة ، انهكت سكان القطاع ، او من ناحية غياب اي عمق استراتيجي ، يوفر الدعم ، سواء العسكري للمقاومة ، او الانساني لضحايا المجزرة الصهيونية ، او من ناحية العجز العربي ، الذي لم يوفق فقط بعقد قمة عربية جامعة ، او من ناحية غياب الاستنكار والادانة الفاعلة من دول الغرب ، وبالاخص اوروبا ، التي اتخذت موقفا مستغربا ، لم يكن متوقعا ابدا .
ان بشاعة المجزرة الصهيونية ضد ابناء غزة البطلة ، لا بد ان تولد مقاومة ان لم تكن موجودة ، وبالتاكيد ستزيد قوة المقاومة الموجودة اصلا ، فالاف الضحايا من الشهداء والمصابين ، لا بد ان يولدوا عشرات الالاف من المقاومين ، الذين سيسعون للثأر من هذا العدو ، لكننا لا نستطيع ان نقول ، ان في ذلك انتصارا ابدا ، لعدة اسباب ، لعل اخرها ما قام به العدو من قتل وتدمير واحتلال جديد .
لقد كرس هذا العدوان ، من خلال الظروف التي رافقته ، والنتائج التي تمخض عنها ، تعميقا للانقسام الفلسطيني ، فترافقت مع المعركة الميدانية مع العدو ، معارك اعلامية شرسة مع الشقيق ، عادت بنا الى عصر الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، فازدهرت تهم الخيانة والعمالة ، واعلن المنتصرون تمسكهم بسلطتهم المقاومة ، وتعمق الجرح الفلسطيني اكثر من ذي قبل ، بدل ان يكون هذا العدوان البربري عامل توحد ولم شمل .
كما ترافق مع هذا العدوان ، شرخ عربي كبير ، عجز عن عقد قمة عربية جامعة ، لا بل امتدت التجزئة الى القمم العربية ، فعقدت قمة الدوحة ، ودعي لقمة شرم الشيخ وقمة الكويت الاقتصادية ، وانقسم العرب الى عربين ، تماما كما هو حال الفلسطينيين ، وازدهرت سوق المزايدات ، فبرزت الى سطح الاحداث ، دول عربية لم يكن لها دور يذكر ، طيلة عقود الصراع العربي الصهيوني ، لا بل ان المواطن العربي يحار في تفسير تناقض مواقفها ، فتنطحت لقيادة محور الممانعة ، وامتد التراشق الاعلامي الى الانظمة العربية ، وكأن الانقسام والمعارك الجانبية ، هما قدر الامة العربية .
بعد كل هذا الانقسام فلسطينيا وعربيا ، وبعد هذه المجازر ، وهولاء الضحايا الابرياء ، الذين ادمت جراحهم قلوب بني البشر على امتداد العالم ، وبعد هذا التدمير والاحتلال الجديد ، لا يستطيع المواطن العربي ابدا ، ان يتقبل كلمة انتصار ، ففتشوا عن اي كلمة اخرى غير كلمة الانتصار ، فلا نريد لطرفة " انتصار" الخامس من حزيران عام 1967 ان تتكرر .
m_nasrawin@yahoo.com