نعي بمناسبة وفاة «الضمير» العام .. !!
حسين الرواشدة
14-09-2017 01:34 AM
لم تشهد أمتنا – حتى في جاهليتها – لحظة غاب فيها الضمير العام وتراجعت فيها المروءة والغيرة دفاعاً عن الكرامة والشرف، كما تشهد اليوم، فقبل عشرين عاماً من بداية الدعوة الاسلامية – مثلا – عقد كبار قريش فيما بينهم حلفاً (اسمه حلف الفضول) تعهدوا فيه ان يدافعوا عن كل مظلوم في مكة، وفي عصور الاستبداد وجدنا علماء حركهم الضمير العام دفاعا عن الدين أو الوطن، ووجدنا مثقفين دفعوا حرياتهم وحياتهم ثمناً لمقاومة الاستبداد والاستعمار، لكننا – اليوم – في عزّ “النكبات العربية” نفتقد مثل هذه الاصوات بعد ان داهمتنا فتنة الانقسام بين الديني والمدني، وفتنة “الاعلام” الذي احتل ساحاتنا كلها، وفتنة “الدويلات” المذهبية والحزبية التي تذكرنا بالدويلات التي نشأت بعد سقوط الدولة الاموية (23 دولة) وفتنة “العسكر” الذين اختطفوا “المشهد”، وكل هذه الفتن وغيرها اورثتنا “واقعاً” معقداً، أخطر ما فيه غياب العقل والضمير وتسيّد الخوف والجهل والانتقام.. وبروز “نجم” تجار السياسة والحروب وانطفاء نور “الحكمة” مع انزواء العقلاء والحكماء.. فلم يبق أمامنا الا ان نقول “لطفك يا الله..”!!
حين أدقق في المشهد العربي ، يستفزني سؤال واحد، وهو: من يمثل الضمر العام للمجتمع؟ والمسألة هنا لا تتعلق بمن أخطأ أو أصاب، أو بمن سقط ورحل وبمن نهض وانتصر، كما انها لا تتعلق باتجاهاتنا السياسية وأهوائنا ومصالحنا وتصوراتنا، وما يصدر عنا من أحكام أو مواقف في اطار الصراعات التي خلطت الأوراق واستبدت بأخلاقيات الخصومة وسمحت للفجور السياسي أن يقتحم علينا الأبواب، وانما تتعلق بقدرة المجتمع على “فرز” خياراته واختبار وعيّه، وتحديد تجاه “بوصلته”، وهي مهمة تحتاج الى “اصوات” عاقلة تعبر عن “الضمير” العام للناس، وتؤثر فيهم، وترشدهم الى “الصواب” وتنقلهم من حالة “الاتباع” الى حالة “الابداع” ومن الحيرة الى اليقين، ومن اليأس الى الأمل.
للأسف، وسط ما يشهده عالمنا العربي والاسلامي من صراعات على تخوم الدين والمذهب والطائفة، ووسط ما تروج له المنابر السياسية والاعلامية من كراهية ودعوات للاقصاء والقتل، لا نكاد نجد الا أصواتاً قليلة تحاول ان تدق من داخل “الخزان” لتذكيرنا بأننا أمة واحدة، وبأن المسلمين والمسيحيين اخوة وشركاء في بناء حضارتنا، وبأن السنة والشيعة ابناء ملة واحدة، وبأن مجتمعاتنا وان تعددت فيها الاطياف السياسية والدينية والعرقية الا انها تنتظم في اطار “هوية” جامعة، ولتذكيرنا – ايضا – بأن الظلم ( والاستبداد جزء منه ) يحطم الاوطان، ويلغي انسانية الانسان، وهو لا دين له ولا لغة ولا جنس، وبالتالي فان مواجهته فريضة على الجميع، والتواطؤ معه “رذيلة” وخطيئة، ويذكرنا – ثالثا – بخبراتنا التاريخية التي ضلت طريقها نحو “الارشيف”، أو وجدت من يوظفها اسوأ توظيف.
باستثناء قلة قليلة لم يتورطوا في الانحياز “للغالب” القاهر، ولم ينخرطوا في لعبة الصراع على “السلطة” ولم يقايضوا مواقفهم باغراءات من هنا أو تهديدات من هناك، ظل “الضمير” العام للمجتمع في معظم بلداننا “يتيماً” لا يجد “أباً” ينتسب اليه أو يعبر عنه، وحائراً يتقلب بين سطوة “الاعلام” الذي استبد بوعي الناس وسيطر على قناعاتهم ومشاعرهم، وبين “ألاعيب” السياسي الذي اختزل المجتمع في “صورته” وحوّله الى صدى لطموحاته وأعاد تشكيله بما يتناسب مع مصالحه وأهدافه.
لو كان “الضمير” العام حاضراً وفاعلاً في مجتمعاتنا ودولنا هل كان يمكن أن نتفرج على اليمن وهي تغرق في صراعاتها الداخلية، أو أن نتفرج على سوريا وهي “تموت” أمام أعيننا، أو على العراق.. وليبيا، وباقي بلداننا التي تحولت صراعاتها السياسية الى صراعات على “الهوية”، والى حروب أهلية طاحنة، اين صوت الضمير العربي من تفتيت بلداننا وتحويلها الى دويلات طوائف ومذاهب، ومن “توظيف” الدين الواحد واخضاعه لأغراض ترسيم مناطق النفوذ والمصالح، على خرائط الدماء لا على طاولة التفاوض فقط.
الدستور