في غمرة الانشغال الدوري في الربع الاخير من كل عام بعجز الموازنه والبحث عن مصادر لتوفير حاجتها لبضع مئات من الملايين ، يتجدد الحديث عن وضع الاقتصاد الوطني ككل ، والبحث في مسببات مشكلاته ، والوجهه التي يسير بها ، والحلول الواجبه للخروج من الحلقه المفرغه التي ضاعفت من استعصائها ظروف السنوات السبع الماضيه ، وادت الى تراجع عام في الاقتصاد لا بد من الاجتهاد والجد في سبل التغلب عليه.
ولان تشخيص اسباب المشكله الاقتصاديه هو الخطوة الاساسيه الاولى في تحديد الحلول المناسبه فلا بد من التذكير دوماً بهذه الاسباب وبخاصة الاكثر اهمية منها . وهي بالنسبه للاقتصاد الاردني اسباب هيكليه وبنيوية ادت في اكثر من مناسبه الى وصوله الى طريق مسدود . حيث لازمته تاريخياً مؤشرات سلبية مقلقه ابرزها ضعف عوامل النمو الذاتي الداخلي ، والعجز المزمن في الحساب الجاري في ميزان المدفوعات ومن ضمنه العجز المزمن للميزان التجاري ، والنمو النمطي التقليدي للقطاعات المولده للنشاطات الاقتصاديه .
هذا على صعيد المؤشرات الرئيسيه ، اما على صعيد المؤشرات الفرعيه التي افرزتها العلل البنيويه فيتمثل اهمها بالاداره غير الحصيفه للاقتصاد . لان اقتصاداً ريعياً ليس غريباً على ادارته الاعتماد على المنح الخارجيه الى الحد الذي تغفل فيه عن عجز مزمن لموازنة الدولة ثم لا تجد له علاجاً الا في التعامل الحسابي مع بنود الايرادات والنفقات في الموازنه . وعندما يصعب عليها خفض النفقات الرأسماليه خوفاً على النمو ثم يصعب عليها خفض النفقات الجاريه لان نصفها رواتب والنصف الثاني وهي النفقات التشغيليه سوف يؤدي خفضها الى التقليل من مستوى الخدمات المقدمه للمواطنين ، تلجأ الى بند الايرادات وتحديداً بند الضرائب لتحصل منه حاجتها .
نعود الى حيث ابتدأنا وهي العلل البنيويه للاقتصاد الاردني والتي يجب ان نتذكرها دائماً لانه يمكن تقدم الاقتصاد والنهوض به بدون الانتباه اليها والسعي للخروج من إسارها على طريق بناء اقتصادي مستقبلي متحرر منها . وتتمثل هذه العلل بما يلي :
1- الاقتصاد الاردني اقتصاد ريعي فنحن نبيع تراباً ( فوسفات وبوتاس واسمنت ) منذ سبعين عاماً دون تصنيع ، ومعظم اراضي المملكه ملك للدوله ، وتشغل الحكومه نحو 50% من الايدي العامله . وهناك امعان في وضع العراقيل امام انطلاق القطاع حفاظاً على مصالح المستفيدين من ريعية الاقتصاد .
2- اقتصاد صغير معتمد على الاقتصاد الاقليمي والدولي فلا امتيازات له امام الاقتصادات الاكبر ما يتطلب منه الاعتماد في اقتصاده الى حد كبير على الميزه النسبيه التي تحتاج الى معرفة لا يملكها والى ثقافة مجتمعيه انتاجيه عاليه يحتاج بناؤها الى ارادة سياسيه ومجتمع مدني ينبغي استحضارهما .
3- هيكل قطاعي اقتصادي تقليدي فلا تمييز بين قطاع ناجح وناهض وحائز على ميزة نسبيه وآخر محافظ تقليدي ، ويعزز بقاء هذا الهيكل عقلية تقليديه توزع الانفاق الرأسمالي للحكومه والحوافز الاقتصاديه على القطاعات الاقتصاديه دون تمييز بينها في النجاح والنهوض وامتلاك الميزه النسبيه .
4- ارتفاع نسبة الاقتصاد غير الرسمي الذي يقدره الخبراء بنحو 40% من الاقتصاد الرسمي . وهذا يؤدي فضلاً عن عدم اندماجه في الاقتصاد وضياع نسبه كبيره من الضرائب على الخزينه وخدمة الاقتصاد ، الى افتقاد العاملين فيه للضمانات الاجتماعيه الصحيه والتقاعديه ، وتضرر المجتمع من مستوى الخدمات التي يتلقاها من هذا القطاع .