العرب وغزة .. و"واقع" ما بعد العدوان
نشأت الحلبي
17-01-2009 09:46 PM
الحالة العربية تجاوزت مرحلة "معارك القمم" الى مرحلة "كسر عظم" وصراع بين عواصم عربية تتنافس على "خطف" إدارة الصراع العربي الإسرائيلي عبر القضية الفلسطينية بعد كل ذلك الفراغ الذي شهدته قضية العرب المصيرية منذ إتفاق اوسلو وصولا الى رحيل زعيم "الثورة" ياسر عرفات الذي إرتبطت به الثورة برمتها حتى دخوله الى الأرض الفلسطينية على ظهر أوسلو، إضافة الى غياب زعامات عربية تاريخية عن المسرح السياسي بعد أن غيب الموت معظمهم.
حتى محطة "قمة غزة" في الدوحة، كان الإنقسام العربي يتجلى في صورة لم تغب كثيرا منذ العدوان على لبنان عام 2006، والى الكويت، سيرحل هذا الإنقسام، ولا نعلم الى اين تذهب الحالة العربية برمتها، فلم نتفق على قمة طارئة لبحث العدوان على غزة، ولا نعلم على ماذا سنتفق في الكويت عندما تطرح قضية العدوان.
ما يحزن في حضم هذا التصارع العربي على الأدوار، هو المواطن العربي نفسه الذي أحسب أنه اصيب لربما بـ "لوثة" في عقله، وتصارع في وجدانه، وتخبط في مشاعره، فمع من يمشي لم يعد يعلم، ومن يصدق، لم يعد أيضا يعلم، ومن يقود الدفة العربية حقيقة ليقوده الى بر الأمان، ايضا لم يعد يعلم.
وما يعتصر القلب ايضا، هو المواطن الفلسطيني سواء "الغزاوي" منه او من يقطن الضفة الغربية، فحتى الفلسطيني لم يعد يعلم من يقوده فعلا، ولا يعلم إذا ما فلسطين نفسها اصبحت "فلسطينيتين، إثنتين، أي دولتين واحدة في غزة تتبع محور "قمة غزة" الذي إجتمعت فيه الى جانب دول عربية، دول إسلامية على رأسها إيران، أو يتبع ما أصبح يعرف بدول الإعتدال الذي تقوده مصر والسعودية.
والأهم من ذلك، أن مواطن غزة لم يعد يعرف من هو "المحور" الذي يمكن أن ينجح بوقف شلال الدم في غزة، ووقف نار الحقد التي تصب جام غضبها على الناس هناك غير مفرقة بين إنسان وحيوان وحجر، فبعيدا عن لغة "اللطم" التي واكبت مسيرة كل من تحدث وكتب عن غزة، فالناس هناك "تباد" بكل ما تحمل الكلمة من معنى سواء كانت الإبادة بحق الأطفال او النساء او الشباب أو غيرهم، وهذه حقيقة.
في خضم الصراع العربي هذا، كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني توقع في واشنطن إتفاقية "وارنتي" أي "ضمان" مع وزيرة الخارجية "المنصرفة" كونداليزا رايس تضمن فيها أميركا لإسرائيل وقف كل أشكال ووسائل التهريب للسلاح الى غزة وحماس، وفي نفس الوقت، كان قادة إسرائيل يؤكدون أن هذه الإتفاقية هي الأساس الذي جعلهم يفكرون بوقف أحادي لإطلاق النار مع بقاء جيش الدفاع على تخوم غزة، وفي هذه رسالة الى العرب بان الحل جاء من واشنطن ولم يأت خوفا من العرب، ولعل فيه رسالة ايضا بأن "حتى" إسرائيل، وهي تنظر الى حالة "التشرذم" العربي هذه، لم تنتظر منهم حلا، وهي احوج اليه بالمناسبة، ودارت اليهم ظهرها وذهب لتشرب من "رأس النبع" في واشنطن لأن "الترياق" هناك وليس عند العرب.
ولعل ترجمة اتفاقية "الضمان الأميركي" باتت تظهر شيئا فشيئا لتدلل على مرحلة ما بعد حرب غزة، فدول أوروبية عدة أصبحت تردد "سيمفونية" واحدة تقول أنهم على إستعداد للعب دور دولي في مكافحة تهريب السلاح الى غزة، ومن هؤلاء طبعا بريطانبا والمانيا وفرنسا، فمن غير أن ترسل رايس أو جورج بوش ببرقية أو "إميل" او فاكس، إلتقطت أوروبا الرسالة الاميركية وباتت "تشتغل" بناء عليها، وهذا يعني محاصرة كل المنافذ البحرية والجوية والبرية، وحتى "التحت أرضية" الى غزة لضمان عدم دخول السلاح، وهذا هو الحل الذي سيكون بعد أن توقف إسرائيل عدوانها.
إذن، حالة الشقاق والتصارع العربي، لم تأت بشيئ للفلسطينيين، وسيقتصر دورنا فقط على "إعادة الإعمار" ودفع الأموال لا أكثر، ودورنا منذ بداية العدوان أساسا لم يقدم شيئا عمليا سوى إرسال المعونات الإنسانية من دواء وطعام وكأننا بتنا "صليب" أو "هلال" أحمر لا غير، أما الحل الحقيقي فأتانا من هناك "مغلفا"، ولن تكون نهاية حالنا سوى مزيد من الشرذمة والإنقسام والعتب و "الحرد" ليس إلا.
Nashat2000@hotmail.com