ايميل من ديفيد الاسرائيلي
ماهر ابو طير
17-01-2009 03:16 AM
بكت "ميساء الخطيب"عبر شاشة الجزيرة ، بكت وبكى اطفالها ، وابكت العرب ، في العالم ، على الهواء مباشرة ، وحين ترى الموت مباشرة ، على الهواء مباشرة ، تعرف ان القتل اصبح مجرد "خبر عاجل" ، في العالم العربي.
ثلاث قمم عربية ، خليجية ، قمة الدوحة الاسلامية ، وقمة الكويت ، ولايعرف المرء ماذا في جراب الحاوي من قمم منتظرة ، والاف الجرحى في غزة ، والاف الشهداء ، وليل من جهنم ، واناس يوحدون الله ، وينتظرون نصرته ، والمتفرجون يفترضون ان البلاء فقط في غزة ، وانه لن يأتي على احد اخر ، ولؤي تم تقطيب عيونه ، فلن تدمع عيونه بعد يومه هذا ، وجميلة فقدت ساقيها ، والاف الاطفال ، تيتموا ، وسنسارع الى دفع دولارات شهرية لكفالة الايتام ، شهريا ، لشراء دفاتر مدرسية ، واقلام ورغيف خبز ، ورائحة الاب الراحل ، بقيت في ملابسه ، عوضا ، عن ذات الاب ، والمدارس يتم قصفها ، والمساجد يتم هدمها ، على رأس من فيها ، ومستشفيات يتم استهدافها ، ومستشفى الشفاء سيأتيه الدور ، وغزة يتم ذبحها من الوريد الى الوريد ، وملايين العرب يكتفون بالجهاد عبر الصراخ ، او تجميع "بقج" الزيت والسكر والارز والسردين ، لارسالها الى غزة ، والضفة الغربية ، داست عليها الاجهزة الامنية لسلطة اوسلو ، وتم جمع سلاحها ، واعتقال شبابها ، والمسجد الاقصى ينتظر دوره في الهدم ، بعد ان تنتهي غزة.
وصلني ايميل من اسرائيلي ، لا اعرفه طبعا ، يجيد العربية ، يقول لي هازئا...."اذا كنتم في القرآن تقرأون ان قيام دولة اسرائيل حق ، وعلوها حق ووعد ، فلماذا تتعبون انفسكم في محاربة وعد الهي منصوص عليه في سورة الاسراء" ، ولم ارد على ديفيد الذي يقول انه مقيم في بريطانيا ويقرأ الصحافة العربية ، فديفيد يستند الى القرآن لتبرير قيام اسرائيل ، وديفيد يريد ان يقول ان كل هذا الذبح ، يأتي لان الله ينصر اليهود على العرب والمسلمين ، وديفيد بالتأكيد ارسل ذات الايميل الى عشرات او مئات الكتاب والصحفيين العرب ، وحين أقرأ ايميل ديفيد ، افقد ذاكرتي ، فلم يتبق علينا الا ان نصفق لمذبحة غزة ، ونصفق لدعم الله - وفقا لما يراه ديفيد - لاسرائيل ، ولم يبق الا ان نصفق لاجتياح غزة ، ونقول لاهلها استسلموا وادخلوا جند اسرائيل الى فراش اولادكم ، فهذا زمنهم ، وهذا وعد الله وفقا لما يراه ديفيد ، الذي لم يقرأ بقية سورة الاسراء على ما يبدو ، واكتفى بالجزء الذي يريده وفسره وفقا لما يريده.
منذ ان تفتحت عيوننا على هذه الارض ، ونحن نقرأ ، في كتب التاريخ ، حول الاحتلالات التي رحلت والاحتلالات التي قتلت ، في ليبيا ومصر والسودان والجزائر وفلسطين والعراق والمغرب ، احتلالات تأتي واحتلالات تذهب ، واناس يموتون ، حتى كأن العالم متفرغ لنا فقط ، لايترك عشر سنوات تمر في عالم العرب والمسلمين ، دون مذبحة ، ولايترك عشر سنوات كاملة تمر دون قصة احتلال او حصار...دلوني على عشر سنوات كاملة ، مرت هادئة ، دلوني على بلد واحد من بلادنا لم يتم سفك الدم فيه ، ولم يتم احتلاله يوما ، ولم يتم قتل اطفاله ، ...ما ان يذهب المغول حتى يأتي الانكليز ، وما ان يذهب الانكليز حتى يأتي الامريكيون ، وهذه بغداد شاهدة على الموت الذي لايتوقف ، فان لم يكن احتلال ، كانت حرب مجانية ضد ايران ، تقتل مليوني عراقي وايراني ، دون سبب منطقي ابدا.
تصرخ "ميساء الخطيب".. تصرخ ، فلا يجيب المعتصم ، لان المعتصم رحل منذ زمن بعيد ، او انه يتسكع في الحي الصيني في لندن ، بحثا عن "مقويات" ، والدبابات تحرث وسط مدينة غزة ، واغلبنا يفكر في "مقلوبة الجمعة" و.."دشداشة الجمعة" الشتوية ، والصحوة من اجل حمام مبكر لعرسان تزوجوا منذ اربعين عاما او اقل ، ومازالوا عرسانا ، يمارسون طقوسا بدائية ، لم يجعل لها الموت قيمة اساسا. تصرخ ميساء الخطيب ويصرخ اطفالها ، على الهواء مباشرة ، وديفيد منشغل في ارسال الايميلات ، شارحا سورة الاسراء ، من اجل ان نتعبد وفقا لرؤيته الشرعية ، في زمن المحن هذا ، وفي زمن يفقد فيه الانسان حياته ، باعتبار ان الجنة هي الجزاء.
حتى لو ابيدت فلسطين ، عن بكرة ابيها ، فلن ترتاح اسرائيل ، وسينفذ وعد الله ، بزوالها ، وعند ذاك اليوم ، لاتحدثونا عن حقوق الانسان ، فلربما دم الاسرائيليين ، لن يكفي لارواء عطش مليار عربي ومسلم ، ينتظرون هذه اللحظة ، التي ستأتي ، مهما تأخرت ، والتي سيحق الله فيها حق الناس ، وحق الشهداء والجرحى والاطفال ، وحق القلوب التي هزها الخوف ، في طفولتها المسلوبة...والمهدورة على صوت القذائف ، ومغسولة بالدم المسفوك ، دون حساب.
لا تصرخي يا ميساء..فهذا زمن ديفيد ورؤيته الشرعية لوجودنا..وتحولت فيه كل الامة الى "وكالة اغاثة" والى "هلال احمر او اسود" تجمع المؤن للقتلى ، حتى يأتي امر الله..وليس ذلك على الله ببعيد.
m.tair@addustour.com.jo