فشلت الجهود الدبلوماسية لإسرائيل في اقناع الولايات المتحدة وروسيا بمراعاة مصالحها في سوريا بمنع تواجد ايراني او المنظمات التابعة لها على مقربة من هضبة الجولان ،وتجاهلت كل من روسيا وامريكا الخطوط الحمراء التي رسمتها اسرائيل فيما يتعلق بالوضع في سوريا لسببين الاول : انشغال ادارة ترامب بإدارة الازمة مع كوريا الشمالية والتسليم الامريكي بكون سوريا منطقة نفوذ روسية ،هذا من المنظور الامريكي ، السبب الثاني : ان روسيا تتفهم القلق الاسرائيلي لكنها لن تتصرف وفقا له وهي غير معنية بالتخوفات الاسرائيلية من نفوذ ايران في سوريا ، هذا من المنظور الروسي.
تعتقد المنظومة الامنية في اسرائيل ان ايران تعمل على ملئ الفراغ الذي نجم عن تقليص قوة تنظيم داعش في سوريا ،في منتصف الشهر الماضي سافر الى واشنطن وفد اسرائيلي امني رفيع المستوى لمناقشة اتفاق وقف اطلاق النار في جنوب سوريا وتداعياته ، حيث عبرت اسرائيل عن حقيقة أن مصالحها الأمنية لم تنعكس في مشروع اتفاق وقف إطلاق النار الذي صاغته الولايات المتحدة وروسيا، حيث حاول الوفد اقناع الولايات المتحدة بتعديل بنود اتفاق وقف إطلاق النار ليشمل تصريحات أوضح حول ضرورة إزالة القوات الإيرانية وحزب الله والميلشيات الشيعية من سوريا، فشل الوفد في الحصول على الضمانات التي سعى لها، واعلن رئيس الوزراء نتنياهو ان اسرائيل تعارض بشدة تمركز التواجد العسكري لإيران وأتباعها في سوريا، وسنعمل كل ما هو لازم للحفاظ على أمن إسرائيل.
لم تأخذ روسيا والولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي في الاعتبار، لكن اسرائيل -من خلال قيامها بقصف مركز البحوث وانتاج وتطوير الصواريخ في ريف مدينة حماة السورية فجر الخميس الماضي- فرضت سياستها بالقوة بل ورسمت خطا احمر متقدما تجاوز السياسة الاسرائيلية المتبعة منذ اندلاع الازمة في سوريا 2011 التي قامت فقط على مهاجمة ارساليات السلاح القادمة من ايران عبر سوريا الى لبنان ومنع حصول حزب الله على اسلحة كاسرة للتوازن، والتغير الجديد الذي طرأ هذه المرة هو مهاجمة منشآت تابعة للنظام السوري نفسه وليس كما هو معتاد شحنات اسلحة بطريقها الى حزب الله.
بعثت هذه العملية المنسوبة لإسرائيل رسالة مزدوجة الى كلا من امريكا وروسيا بأن اسرائيل تجاوزت اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب السوري وستعمل بشكل منفرد كلما اقتضت الضرورة ،وهذه السياسة الجديدة تحمل معنيين الاول: ان ذراع اسرائيل العسكرية طويلة الى الحد الذي لا تستطيع منظومات الدفاع الجوية الروسية تقييد حرية العمل لسلاح الجو الاسرائيلي في سوريا ،والمعنى الثاني متعلق بالولايات المتحدة ويحمل سمات نزعة استقلالية جديدة عن المصالح والسياسات الامريكية تثبت اسرائيل من خلاله قدرتها على اتخاذ قرارات أمنية واستراتيجية مستقلة وقابلة للتنفيذ دونما الحاجة الى الاعتماد على الحليف الامريكي.
من الصعوبة توقع رد الفعل الروسي على هذه العملية ، هل ستعلن روسيا ان المجال الجوي السوري منطقة مغلقة تماما باستثناء طلعات قوات التحالف الدولي، ام هل ستزود سوريا بمنظومات صواريخ دفاعية S300 و S400 التي من المشكوك فيه انها تستطيع مواجهة التكنولوجيا الاسرائيلية والغربية.
بقي ان نقول ان السماح لإيران والمليشيات التابعة لها بموطئ قدم في الجنوب السوري هو تهديد ليس فقط لإسرائيل وانما للأردن ايضا، وان هدف ابعاد التنظيمات العسكرية المسلحة من الاقتراب الى الحدود الاردنية الاسرائيلية في الجنوب السوري هو مصلحة مشتركة بين الطرفين.