قبل فترة حدثني أحد الآباء عن معاناته وهو يدرس أحد أطفاله، وكان مما تحدث به أنه صفع طفله على وجهه صفعة قوية، لأنه لم يستوعب شيئا مما شرح له!
إن رد فعل الأب هذا قد لا يختلف عن ردود فعل الكثيرين منا، لكن هل تعتقدون أن أطفالنا أغبياء؟ بالنسبة لي، لعلني لا أغالي إذا قلت أن كل الأطفال أذكياء، لكن على درجات.
فإذا كان إدراكهم للدروس وفهمهم للشرح بطيئا فهذا ليس غباء منهم، لكن المشكلة قد تكمن في أسلوب التدريس الذي قد ينجح مع بعضهم، وقد لا ينجح مع البعض الآخر، أي أن العيب قد لا يكون في أطفالنا.
لنتأمل مثالا بسيطا وهو مثال المفتاح والباب. هناك أبواب تتقبل أي مفتاح، وهناك مفاتيح يتقبلها أي باب، وهناك مفتاح لكل باب، وفي كل الحالات قد لا تكون المشكلة في الباب أو المفتاح إنما في عدم التوافق بينهما، وهذا ما ينطبق على طريقة التدريس التي تعتمد أساسا على التوافق بين المدرس والطالب.
فهناك طريقة تدريس يتقبلها كل الطلاب، وهناك أسلوب تدريس يرفضه أي طالب، وهناك طريقة تدريس يتجاذب معها بعض الطلاب بينما البعض الآخر يتنافر معها، وكل ذلك يعود إلى مدى التوافق بين المعلم والطالب، وهذه نظريتي التربوية في هذا الموضوع.
يقال بأن آينشتاين –وهو القائل: "أهم شيء ألا تتوقف عن التساؤل"- رسب في مادة الرياضيات عندما كان طفلا، وأن استيعابه كان بطيئا أثناء طفولته، لكنني أعتقد أن المشكلة لم تكن في آينشتاين إنما في طرق التدريس التي كانت تتبعها المدرسة الكاثوليكية التي تميزت بنظامها الصارم وروحها الخانقة، وليس أدل على ذلك من حماسة ولهفة آينشتاين للانضمام فيما بعد لمعهد الاتحاد السويسري للتقنية لشدة إعجابه بطرق التدريس فيه!
فإذا لم يستوعب أطفالنا الدرس بداية، لنتذكر أن المشكلة ربما ليست مشكلتهم، إنما ربما يعود ذلك إلى أن المفتاح لم يتوافق مع الباب، فلنجرب أن نشرح لهم الدرس بأكثر من طريقة، ونحاول أن ندرك لماذا لا تنجح طرقنا معهم، ومهما طال الأمر، يفترض بنا ألا نفقد السيطرة على أعصابنا وألا ننهال عليهم بالضرب، لأن الضرب سوف يجعلهم يكرهوننا ويكرهون المدرسة ويجعلهم ينفرون من الدراسة والدرس الذي نشرحه لهم، ولربما يشبون وقد غرسنا في أعماق باطنهم بذرة عقدة نفسية من المادة التي نحاول جاهدين أن نوضح لهم أحد دروسها، فيكرهونها كلها بقية عمرهم، فمن شب على شيء شاب عليه، هذا كله عدا خسارة محبة أطفالنا واحترامهم لنا.
لذلك، كي لا نخسر أطفالنا، أقترح وبعدما نستنفد كل الطرق التي اتبعناها معهم، أن نحضر شخصا آخر ليدرسهم ذاك الدرس اللعين، لربما كان هناك توافق بينهما ينبع من طريقة تدريس يمتلكها هذا الشخص ولا نمتلكها نحن، فيدرك أطفالنا الطلاسم التي كنا نحاول حشوها عنوة في دماغهم!