يعودُ أيلول والغيمُ خجلٌ هذه السنّة، يقتربُ في الصّباحِ من الرؤوس ثُم تأتي شمس الصيف وتطردها كامرأة لئيمة، فما زالتْ شمس أيلول لاسعة ، ذوى باقي العنب على الدّوالي ، واستوى التين في سحاريه ، لمْ يجد البائع الجوّال في الحارات مشترياً ، كلّهم يسألون عن البندورة ...!!
يعودُ أيلول ويبحث الأطفال عن رائحة الجوّافة في الثلاجات ، فقط الزّيت والزعتر ، وسندويشات يتيمة منها في حقائب المدرسة ، يأكلوها الأولاد على عجلٍ قبل أنْ يقرع جرس الفرصة معلّم يهزّ عصاه أمام الطابور .
يعودُ أيلول وصوتُ فيروز لم يعد يحمّس العاشقين من طلاب الجامعة الجدد الذين أتوا من القُرى المنسيّة ، ظنّوا أنّ الصبايا مشاع في ممرّات كليّة الآداب كالقصائد ، فيأتي رجل الأمن ويطردهم من تحت السرّو..!!
يعود أيلول ، ولكنّه يغيب من درّس التاريخ ، ومن نضال الأحزاب ، ومن نشرات الأخبار ، ولكنه لا يغيب من ذاكرة الأمهات ، وأبناء الشهداء ، ومن وميض عيون العسكر ، عندما كان الحسين ووصفي وحابس يسهرون الليّل في المقرّ ، وقد غابتْ البلاد بالفوضى ومؤامرة ذوي القربى..!
أيلول قاسّ هذه السنّة ، كئيب كامرأة ثكلى، فالناس في ضيق ، والحكومات تتآمر فيه على رزقهم ، والصفوف تفيض بالطلاب بلا مقاعد ، والغيم بعيد ، والمطر شحيح ، فذنب أيلول لنْ يكون مبلولا هذه السنة ..!!