اشارت الاحداث التي ضربت المنطقة منذ 2011 بأن بعض ابناء جيلنا العربي (والاردني) غير محصن من الاستهداف الخارجي، الذي نجح في تحقيق اختراقات متعددة في عقول هذا البعض وادمغته بطريقة زعزعت ثقته بنفسه وبالمحيط الذي يعيش فيه، فاصبح اسير المعلومات التي يقدمها له الخصوم والاعداء، دون ان يتحقق من صحتها او يقف على ابعادها ومراميها، وذلك بغض النظر عن علمه وثقافته وخلفيته العملية التي ثبت ضعفها وهشاشتها بعد ان بات فريسة سهلة للأجندات الخارجية والترويج لها عبر وثوقه بمصادرها وتبنيها وتمرير معلوماتها المسمومة، حتى ثبت سطحية وضحالة تفكيره، رغم انه يدعي الفهم والادراك لحقيقة ما يجري حوله، فاذا به أخر من يعلم وغريب عن الواقع مع كل أسف، حتى تحول الى خنجر مسموم في خاصرة الامة ( والوطن ) لأنه لم يعرف عدوه، الذي نجح في الاعداد جيدا لحربه الإعلامية والمعلوماتية والنفسية ضدنا، وجعل منا ادوات إعلامية تردد وتنقل ما يريده منا، لتكريس الفرقة والفتنة في صفوف امتنا، بعد ان اعتمدناه مصدرا عليما وموثوقا لمعلوماتنا.
ويكفي مشاهدة كيف نتسابق في نقل مادة إعلامية مغرضة تستهدفنا، ونساهم في نشرها فقط لان مصدرها خارجيا، تأكيدا على هزيمتنا الذاتية وفقدنا الثقة بأنفسنا بغض النظر ـ مرة أخرى ـ عن مستوى علمنا وثقافتنا.
ساعد على هذا الاختراق انقسامنا الى اتجاهات وتيارات متعددة ومختلفة، دينية وقومية ويسارية وليبرالية وغيرها، جعلت من التباين والاختلاف السمة الغالبة على مواقفنا من قضايا امتنا (ووطننا)، لنكتشف حجم الثغرات الموجودة في جدار وحدتنا (المزعومة)، حتى تحولت معركتنا في التصدي للأجندات الخارجية الى معركة مواقف كلامية داخلية أكدت لنا عمق الفجوة في مواقفنا، وحاجتنا الى وقفة طويلة مع الذات (القومية) حتى نتصالح مع انفسنا ونوحد موقفنا وجبهتنا قبل ان نقرر الدخول في مواجهة مع الاخر، الذي عرف كيف يضرب على وتر خلافاتنا القومية والدينية والسياسية والثقافية التي باتت شغلنا الشاغل بعد ان احتلت الأولوية على اجندة اهتماماتنا العروبية.
ويكفي ان نطرح قضية عربية للنقاش او نبدي رأيا او موقفا في ازمة من الازمات التي تعاني منها المنطقة العربية عبر وسيلة من وسائل الاعلام ، كالأزمة السورية او العراقية او اليمينة او الليبية لنكتشف حجم التباعد في المواقف بين أبناء الامة الواحدة . هذا ان لم نتعرض لهجوم شخصي وربما الشتم او الردح من هنا وهناك، لمجرد ان كل واحد منا يدعي ان رأيه او موقفه هو الصواب، وانه دون غيره يمتلك الحقيقة كاملة غير منقوصة.
ان بيئتنا المعلوماتية هشة ومخترقة ومهيأة لغرس بذور الفرقة بيننا على وقع معرفة عدونا بعيوبنا ونقاط ضعفنا ونجاحه في توظيفها واستغلالها في خدمة أهدافه ومصالحه واجنداته . في تأكيد على ان مشوارنا طويل من اجل توحيد مواقفنا والانتصار لقضايا امتنا وهزيمة ما بداخلنا من عقدة ثقتنا الزائدة بالمصدر الخارجي.