القرار الخاطئ، اللفظ الجارح، الطلاق البائن، الاستقالة الفورية، فضّ الشراكة، كلها نرجعها إلى ساعة غضب أو لحظة عصبية.
العربي غالباً، إذا ما غضب أول ما يفكّر به «الكسر» أو «الإشعال» أو تكسير ما أمامه من زجاج أو أثاث، أو إشعال معركة كلامية أو انتقامية أو «سيجارة» على أقل تقدير.
**
من قال إن الطريق الوحيد لتنفيس الغضب هو التمرد والضرب والتكسير، فالغضب ثقافة أيضاً، تشبه ثقافة الابتسام، والالتزام، والاصطفاف الصحيح، واستيعاب الآخر.. لا يعني أن تغضب أن يباح لك أن تفعل كل شيء بحجة «الخروج عن الوعي».
قبل أيام خسر المنتخب الياباني أمام نظيره السعودي في تصفيات كأس العالم المؤهلة إلى روسيا، كانت المباراة بالنسبة لليابانيين تحصيل حاصل لا أكثر، ففاز الأشقاء السعوديون وخسر الفريق الياباني، وما أن صفّر الحكم، لم نشاهد قوارير الماء تتساقط على رؤوس اللاعبين في ملعب الجوهرة بجدة، ولم نسمع هتافات مسيئة للحكم ومحارمه من اليابانيين ولم يتطرّقوا لسيرة المدرب الفاشل الذي خسرهم المباراة، لم يكسروا كرسياً أو يعبثوا بتجهيز من تجهيزات الملعب، ولو فعلوا ذلك سنجد لهم مبرّراً عربياً: «ساعة غضب». كل ما فعله الجمهور الياباني وبسلوك جماعي لا يشذّ عنه فرد منهم.. أن أخرج كل واحد فيهم كيس قمامة فارغاً من حقيبته وبدأ يجمع نفايات المدرجات.
فريقهم خسر على أرض مضيفه، ومع ذلك لم يلتفتوا إلى النتيجة بل التفتوا إلى نظافة المدرّج، هناك اللعبة انتهت، لكن هنا الصورة باقية عن اليابان.. هناك خسر الفريق لكن هنا فازت اليابان، هذا السلوك الياباني المتكرر سواء في الفوز والخسارة، يثبت أن الغضب ثقافة وليس مجرد عاطفة ثائرة كما ندّعي، تستطيع أن تروّض غضبك أو إخفاقك وتحوّله إلى طاقة إيجابية تزيد من احترام العالم لك، وانبهار الآخر بك.
الحضارة سلوك متراكم، ثقافة، تربية، واقتناع، لا يمكن لك أن تكون متقدماً في التكنولوجيا ومتأخراً في الأخلاق، هي منظومة واحدة للنهوض والسقوط.
أقصى ما أستطيع قوله في المشهد الذي رأيناه من الجمهور الياباني هو: خسر الفريق وفاز الوطن.
ahmedalzoubi@hotmail.com
عن الامارات اليوم.