الاردنيون وصراع البقاء مع حكومات الجباية
علي السنيد
08-09-2017 06:39 PM
لا ادري الى متى يستمر هذا النمط العبثي من مسلسل تشكيل الحكومات في الاردن، والتي تجيء بطريقة مبهمة واقرب الى لعبة التحزير في المشهد السياسي الاردني فلا احد يعرف لماذا جيء بهذا الرئيس، وما هي المعادلة التي افضت به الى الحكم، وهو لا يملك رصيدا في الشارع والاصل ان الحكومات تمثل برنامج الاغلبية الشعبية، وانها المعبر الاول عن الارادة الشعبية حيث في كل الديموقراطيات يقوم الحزب او الائتلاف الحزبي الذي حصل على الاغلبية في البرلمان بتشكيل الحكومة وتكون معبرة عن الشعب، وممثلة لاختياراته في تلك المرحلة من عملية الحكم.
وذلك مرده الى كون العملية السياسية تقتسم بالكامل بين القوى المدنية في الدولة حيث تختار الشعوب البرنامج الحزبي الاقرب لتحقيق المصلحة العامة، ويعمل الاعضاء المنتخبون على تشكيل الحكومة، وحكومة الظل، وهذه هي العملية السياسية المعروفة في كل الديموقرطيات وترضى بها الشعوب وتحقق ارادتها.
ونحن في الاردن ما زلنا نمارس ذات العملية العبثية من حرق الحكومات حيث تأتي الحكومة بغير رغبة الامة، ولا تحمل برنامجا شعبيا، وتتخذ سياسة غير شعبية تنحصر غالبا في رفع الضرائب والرسوم والاسعار، والتطبيع مع العدو الاسرائيلي حتى تحترق في الشارع ثم تغير الحكومة ويأتى باخرى تكمل برنامج الرفع ، وهكذا تستمر هذه الحالة العبثية والتي تنذر بالمواجهة الحتمية مع الشارع عندما يفقد المواطن الاردني قدرته على الصبر والاحتمال.
ومرد هذا الخلل الواضح في ادارة الدولة الاردنية ، والذي يؤثر على شكل المستقبل هو ان السلطة ما تزال مبهمة، وغير واضحة، ولا يعترف بأنها من حق المجتمع، ويجب ان تمثل ارادته وان كل رئيس وزراء او وزير الاصل ان يعود بشرعيته الى الارادة الشعبية ويجب ان يكون رمزا شعبيا كبيرا ومعروفا في الشارع، ولديه رصيد سياسي، وليس مقطوع الصلة بالناس، ويأتي للحكم من خلال آلية متخلفة تنتمي الى العصور الوسطى وهي التعيين.
ولا احد يستطيع في الاردن ان يقيم عمل الحكومات بالعودة الى توجهات الحزب الذي اشتقت منه، فيقال ان هذه الحكومة تمثل توجهات معينة في الصحة اوالتعليم او النقل او في الخدمات العامة، او في التأمينات وذلك تبعا لتوجهات الحزب الذي شكلها، وانما هي حكومات طارئة غير واضحة الاهداف والرؤية وهي غالبا ما تشترك بسمات، وخصائص مشتركة من اهمها ان تشكيل هذه الحكومات في الاردن تشبه لعبة " السحبة" التي كنا نمارسها ونحن صغار، وبذلك تكون مبنية على التوقع والاحتمالات ، فالحكومات في الاردن لا يستطيع احد ان يتنبأ بجدواها، فقد يكون الرئيس جيدا وقد يكون غير ذلك والامر برمته متروك للاحتمالات وذلك على خلفية الكيفية التي يتم بها تشكيل هذه الحكومات، وهي كذلك تشترك جميعها بأنها تشبه " طبيخ الشحادين" حيث لا تقوم جهة واحدة بتشكيلها وقد لا يأتي رئيس الوزراء سوى بوزير او اثنين، وهنالك وزراء يأتي بهم الديوان الملكي ووزراء تفرضهم الجهات الامنية، وبالتالي يصعب تركيب برنامج حكومي يخص مثل هذا التشكيل غير المتطابق، ومن المميزات المشتركة بين الحكومات في الاردن انها كلها منقوصة الولاية العامة فيصعب معرفة ما يقع تحت يد الرئيس من عملية الحكم حيث الشؤون الخارجية لا تديرها الحكومة، والملف الامني بالكامل يدار من طرف القصر بعد التعديلات الدستورية الاخيرة، وكذلك ملف التنمية والشؤون الاقتصادية، ويستحيل ان يخضع وزير التخطيط لتوجهات رئيس الوزراء حيث يرتبط بالجهات المانحة والديوان الملكي .
وبالنهاية فان الحكومات العجيبة التي تتشكل في الاردن تزيد من هوة الصراع بين النظام السياسي والشعب الاردني، وهي تنذر بوقوع المواجهة يوما على اثر السياسات غير الشعبية التي تتخذها، وهي تستنزف الرصيد الملكي، وهي تبدو وكأنها تطارد الشعب الاردني على لقمة عيشة، ولكأنها السوط الذي يجلد ظهره، وكلما جاءت حكومة زادت من اعباء ومعاناة الاردنيين ، وهي لا تملك رؤية في التنمية مع ان التنمية هي اساس عملية الحكم.
ويبقى الخوف من مدى قدرة الشعب الاردني على الاحتمال، وكيف سيكون شكل المستقبل مع بقاء وتواصل مثل هذا الشكل العبثي من تشكيل الحكومات في الاردن.
نائب سابق .