ماذا ينتظر العرب .. هيروشيما غزية .. ؟!
د. رلى الفرا الحروب
15-01-2009 04:02 PM
دعا أفيغدور ليبرمان النائب في الكنيست الإسرائيلي ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الحكومة الإسرائيلية أمس الأول إلى إبادة حماس والفلسطينيين بذات الطريقة التي استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية مع اليابان، وهذا يعني قصفهم بالأسلحة النووية.
ولكن ما تفعله إسرائيل في غزة منذ ثلاثة أسابيع ليس إلا قصفا بالأسلحة النووية في جوهره وطبيعته وآثاره حرفيا ومجازيا ، فهي تستخدم قنابل الفوسفور الأبيض بكثافة ضد المدنيين وقد شاهدنا بأم أعيننا على شاشات التلفزة نتائجها المروعة على الأطفال والنساء والشباب وما تسببت به من حروق مريعة لا تجرؤ على اقترافها حتى الشياطين، وهي تجرب كذلك نوعا جديدا من الأسلحة زودتها به الولايات المتحدة الأمريكية لتختبره على "الفئران الفلسطينيين" المحاصرين في قفص تتحكم فيه إسرائيل من الجو والبحر والبر، وهي تتبع سياسة الأرض المحروقة فلا تترك منشأة إلا وتنسفها وتهدها على رؤوس من فيها، أما ما لا يعرفه الإعلام فهو أن إسرائيل تحشو رؤوس صواريخها بالمخلفات النووية الناجمة عن مفاعلاتها والتي توفر إسرائيل ثمن دفنها في بلدان بعضها عربية بالتخلص منها عبر دفنها في رمال غزة من جهة واستخدامها في هذه الحرب اللا أخلاقية من جهة ثانية لإحداث دمار بعيد المدى في التربة والماء والهواء وخلايا الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية.
هذه المعلومة الأخيرة أكدها لي ضابط استخبارات فلسطيني كان يشغل موقعا مرموقا في السلطة فيما مضى، ولا أستطيع تأكيدها أو نفيها ولكنني لا أستبعد إطلاقا أن تكون صحيحة ، فالدولة التي تدعم غالبية مطلقة من سكانها ( أكثر من 80%) هذه الحرب اللا أخلاقية واللا إنسانية على غزة ، والتي يطالب فيها أكثر من الثلث باستخدام أساليب أكثر ترويعا وقسوة تجاه الفلسطينيين ، والنظام القائم منذ وجوده على ارتكاب المجازر بحق السكان الأصليين وتهجيرهم وسجنهم وتعذيبهم، والجيش المعبأ بأفكار أن الفلسطينيين ليسوا بشرا بل بهائم وأن هذه الأرض لإسرائيل وسكانها "الدخلاء" ليسوا إلا عبئا زائدا ينبغي التخلص منه، متوقع منها كل شيء لأنها ببساطة دولة لا يردعها شيء ولم يحدث حتى اليوم أن وقعت عليها عقوبة دولية واحدة إزاء كل ما تقوم به من منكرات، بل إنها في الواقع ليست دولة، إنما جيش له دولة كما وصفها مسؤول إسرائيلي قبل أيام.
ماذا ينتظر العرب كي يتحركوا؟ ماذا تنتظر البقية الباقية من الحكومات التي لم تظهر رغبة في حضور القمة الطارئة حتى اليوم؟ هل يعقل أن تعارض أكبر دولتين عربيتين عقد القمة في حين تداعى رئيس الوزراء التركي للإنقاذ منذ اليوم الأول وتحرك الرئيس الفنزويلي وقام بطرد السفير الإسرائيلي من بلاده؟ هل يعقل أن يحتاج العرب إلى شهر كي يجتمعوا لإنقاذ غزة ، هذا بفرض انهم تمتعوا بالإرادة اللازمة لإنقاذها، في حين أن الحكومات الأوروبية اجتمعت بعد ثلاثة أيام من أجلها؟ هل ينتظرون قصف الفلسطينيين بالقنابل النووية كي يشعروا بخطورة الوضع ؟ ألا يتابعون شاشات التلفزة؟ ألا تأتيهم تقارير استخبارية عن فداحة الوضع وخطورة التداعيات المستقبلية؟ ألم يشاهدوا خمسة آلاف وأربعمائة فلسطيني يحرقون بدم بارد نصفهم من الأطفال والنساء؟ الم يشاهدوا الأطفال المحروقين والمشلولين والمصابين بشتى أنواع الإعاقات جراء القصف الهمجي البربري الذي تمارسه إسرائيل لترويع المدنيين؟
ولكن، ماذا ننتظر من بعض تلك الحكومات وهي ذاتها من تركت الفلسطينيين في غزة جائعين محاصرين بأيديها لا بيد إسرائيل؟ ماذا ننتظر منها وأجهزة استخباراتها باتت تعمل لتحقيق مصالح أمريكا وإسرائيل أكثر مما تعمل لصالح أوطانها ؟ ماذا ننتظر وولاء الغالبية المطلقة من الموجودين في مواقع السلطة والنفوذ والتأثير السياسي والاقتصادي والفكري في شتى المستويات في كثير من الدول العربية هو للخارج وليس لبلدانهم كما قال صراحة بالأمس روبرت فيسك على قناة الجزيرة وكما قال ضمنيا رئيس الوزراء القطري قبل أيام في لقائه على شاشة الجزيرة؟!
إسرائيل لا تستهدف حماس كما تعلن منذ بداية هذه الحرب...إنها تستهدف المدنيين الفلسطينيين ...هي تستهدف شعب غزة الذي انتخب حماس ونصبها في السلطة...حاولت تجويعهم كي يثوروا على حماس ولكنهم لم يثوروا...قطعت عنهم الكهرباء والوقود وحرمتهم من كل أشكال الحياة الآدمية الحديثة كي يثوروا على حماس ولكنهم لم يثوروا، ومن ثم فقد كان لا بد من الانتقال من العقاب السلبي إلى العقاب الإيجابي بمفاهيم علم النفس أي من الحرمان من المثيرات السارة إلى توقيع العقوبات المباشرة المؤلمة لإحداث الضرر المطلوب وكف السلوك، وهذا هو ما تفعله إسرائيل في غزة.....إنها تستهدف المدنيين لأنهم هم وقود حماس...أهداف إسرائيل تغيير الواقع في غزة كما أعلنتها ليفني من القاهرة قبل بدء العدوان مباشرة، وتغيير هذا الواقع يتطلب تغيير سيكولوجية الفلسطينيين هناك، وما الفظائع التي ترتكبها إلا محاولة لتعديل سلوك الفلسطينيين وتغيير مفاهيم من يتبقى منهم على قيد الحياة ، وبالطبع فإن كل فلسطيني يستشهد أو يصاب أو يعوق طفلا كان أم امرأة أم شابا إنما هو مكسب إضافي يساعدها في التخلص من خطر ما تسميه القنبلة الديموغرافية.
لقد سمعنا أمس الاول شهادات مروعة على شاشة الجزيرة لمدنيين فلسطينيين قالوا إن الجنود الإسرائيليين كانوا يتعمدون إطلاق النار عليهم، ولا أدري إن كان الحكام العرب قد شاهدوا تلك الطفلة الفلسطينية ذات الأعوام الأربعة التي أطلق عليها جنود الاحتلال النار بشكل مباشر هي وأسرتها حال فرارهم من منزلهم المحترق فقتلوا شقيقتيها وإحداهما عمرها ثمانية أعوام والثانية اثنتا عشرة عاما وأصابوها هي بشلل دائم، ولا أعرف إن كانوا قد شاهدوا تلك الطفلة الأخرى ذات الخمسة أعوام وهي تحمل شقيقها الرضيع الذي احترق وجهه بالكامل وتحاول تهدئته كي يتوقف عن البكاء، ولا أعلم إن كانوا قد شاهدوا عشرات الصور لأطفال غزة مقطعي الرؤوس محترقي اللحم متناثري الأطراف مصابين بالثقوب في أجسادهم الغضة والحروق في وجوههم التي لم تعد نضرة وهم لما يخرجوا بعد إلى الحياة.
أقل ما كان يمكن أن يفعله حكام العرب هو عقد قمة خلال يومين من بدء العدوان، ولكنهم انتظروا ثلاثة أسابيع وما زالوا مترددين في عقد قمة، بل إن بعضهم عارضها دون خجل وراح يلتف عليها بقمم ثنائية وأخرى إقليمية ، وما زال الحديث يدور حول وقف العدوان دون التطرق إلى ما بعده، وما زال البعض يريد إعادة الوضع إلى نقطة الصفر متغاضيا عن ضرورة رفع الحصار وفتح المعابر ومحاولا تجريد المقاومة من حقها المشروع في الدفاع عن أرضها ومصيرها ومستهينا بدماء الشهداء والمصابين وبكل ما دفعه الغزيون من ثمن جراء إصرارهم على خيار المقاومة!!!
إسرائيل اليوم دخلت المرحلة الثالثة من عدوانها على القطاع وتتضمن استهداف الأماكن السكنية المكتظة باعتبارها تضم رجال المقاومة وسترتكب بالطبع مجازر مروعة تفوق ما ارتكبته في اليوم الأول وها هي تستهدف المباني التابعة للقنوات التلفزيونية بالإضافة إلى مبنى الأنروا وذلك لإجبار الإعلاميين وموظفي الامم المتحدة على مغادرة القطاع أو على الأقل ضمان عدم قدرتهم على نقل صورة ما يحدث في غزة. إسرائيل سترتكب ما هو أسوأ من الهولوكوست المزعومة خلال اليومين القادمين وستعمل على تغييب كافة الشهود الدوليين كي تغطي إعلاميا على عملها الوحشي في ظل حقيقتين مهمتين أولاهما أن الوقت ينفد منها في ظل اقتراب ولاية الرئيس الامريكي الجديد أوباما واقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية، وثانيهما أنها فشلت في تحقيق أهدافها السياسية من العدوان بعدما فوجئت بقدرات المقاومة على الصمود والاختباء والمفاجأة وبعدما تبينت وجود مدن كاملة مبينة تحت الارض وتمتع المقاومين بشبكة اتصالات فعالة وتخزينهم ذخائر ومؤن تكفيهم للقتال لمدة ثلاثة أشهر.
المدنيون الفلسطينيون يواجهون خطر انتقام وحشي بربري مقيت اليوم وغدا وبعد غد في انتظار انعقاد قمة العرب التي تأخرت كثيرا والتي ما زال البعض يحاول إفشالها حتى اللحظة!!
ماذا نقول أكثر مما قلناه؟! إننا نشعر بالعجز وقلة الحيلة إزاء تجريدنا من كل أسلحة الفعل الحقيقي القادرة على تغيير الواقع وإعادة رسم الخطط المستقبلية، ولكن أهل غزة المحاصرين تحت نيران القصف والتقتيل والتجويع والتشويه وحدهم من ينتصرون على العجز ويحطمون أسوار الضعف ليشعرونا نحن الأحرار الطلقاء بمزيد من العجز والذنب لأنهم رغم كل شيء أكثر حرية منا في اختيار مصيرهم
الانباط.